إحداهما وأخذ الأُخرى جاز ، ولا يجوز بلفظ الصلح أو بالشرط ؛ لأنّ لفظ الصلح يقتضي المعاوضة ، فأمّا إذا صالحه على بعض الدَّيْن ، كان كأنّه قد باع ألفاً بخمسمائة ، وهو حرام (١).
وأمّا في الهبة فإذا كان بلفظ الصلح ، فكأنّه قد باع ماله بماله ، فلهذا لم يجز.
والمشهور عندهم : الجواز (٢) ؛ لأنّ لفظ الصلح إذا ذكر فيما كان معاوضةً اقتضى ذلك أن يكون معاوضةً ، فأمّا أن يكون لفظه يقتضيه فليس بصحيحٍ ؛ لأنّ الصلح إنّما معناه الاتّفاق والرضا ، والاتّفاق قد يحصل على المعاوضة وعلى غيرها ، كما أنّ لفظ التمليك إذا كان فيما طريقه المعاوضة ـ مثل : أن يقول : ملّكتك هذا بهذا ـ فإنّه يكون بيعاً ، فإذا قال : ملّكتك هذا ، كان هبةً حيث تجرّد عن العوض ، كذا هنا أيضاً.
وعلى القول الثاني يخرج قائله من أن يكون صلحاً ، ولا يبقى له ثَمَّ تعلّقٌ ؛ لأنّه إذا ادّعى عليه شيئاً ، فأقرّ به وأبرأه من بعضه وأخذ بعضه بغير لفظ الصلح ، فذلك براءة وقبض دَيْنه ، ولو أبرأه من جميعه لم يُسمّ صلحاً ، ولو قبض جميعه فكذلك ، فأمّا إذا كان بلفظ الصلح سُمّي بذلك ؛ لوجود لفظه وإن لم يوجد معناه ، كما تُسمّى الهبة المشروطة بالثواب هبةً ؛ لوجود لفظها وإن لم يوجد في ذلك معناها ، وهذا خلاف ما تقدّم ؛ لأنّه معاوضة إجماعاً.
فأمّا إذا قال : أبرأتك من خمسمائة على أن تعطيني خمسمائة فإنّ الشافعيّة منعوا منه ؛ لأنّ هذا الاشتراط يجعله بحكم العوض عن المتنازع
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) راجع الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٨ ، والتهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٤٣ ، والبيان ٦ : ٢٢٤.