ولأنّ الله تعالى سمّاها أمانةً (١) ، والضمان ينافي الأمانة.
وهذا الحكم منقول عن عليٍّ عليهالسلام وعن أبي بكر وعمر وابن مسعود وجابر (٢) ، ولم يظهر لهم مخالف ، فكان إجماعاً.
لا يقال : قد روي أنّه كان عند أنس وديعة فذهبت فرفع إلى عمر ، فقال : هل ذهب معها شيء من مالك؟ قال : لا ، قال : اغرمها (٣).
لأنّا نقول : قول عمر ليس حجّةً ، وربما قال ذلك عند تفريط المستودع في حفظها.
ولأنّ المستودع إنّما يحفظها لصاحبها متبرّعاً بذلك ، فلو ألزمناه الضمان أدّى إلى الامتناع عن قبولها ، وفي ذلك ضرر عظيم ؛ لما بيّنّاه من الحاجة إليها ، ولأنّ يد المستودع يد المالك.
وإذا عرفت أنّ السبب الجامع لموجبات الضمان هو التقصير ، فلا بُدّ من الإشارة إلى ما به يصير المستودع مقصّراً ، وهي سبعة تنظمها مباحث نذكر لكلّ سببٍ بحثاً.
البحث الأوّل : في الانتفاع.
مسألة ١٠ : من الأسباب الموجبة للضمان الانتفاعُ بالوديعة ، فلو استودع ثوباً فلبسه ، أو دابّةً فركبها ، أو جاريةً فاستخدمها ، أو كتاباً فنظر فيه
__________________
(١) النساء : ٨٥.
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٦ ، البيان ٦ : ٤٢٥ ـ ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، المغني ٧ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٨٢ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٥١ ـ ٢٥٢ / ٤٠٥.
(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٦ ، وفي المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٨ : ١٨٢ / ١٤٧٩٩ ، وسنن البيهقي ٦ : ٢٨٩ و ٢٩٠ باختصارٍ.