والمجنون ليسا من أهل الحفظ ، فلو أودع مالاً عند صبيٍّ أو مجنونٍ فتلف فلا ضمان عليهما ؛ إذ ليس على أحدهما حفظه ، فأشبه ما لو تركه عند بالغٍ من غير استحفاظٍ فتلف.
ولو أتلفه الصبي أو المجنون ، فالأقرب عندي : إنّ عليهما الضمان ؛ لأنّهما أتلفا مال الغير بالأكل أو غيره فضمناه ، كغير الوديعة ، وبه قال أحمد والشافعي في أظهر القولين.
والثاني : إنّهما لا يضمنان ؛ لأنّ المالك سلّطهما عليه ، فصار كما لو أقرضه أو باعه منه وأقبضه فأتلفه ، لم يكن عليه ضمان ، ألا ترى أنّه لو دفع إلى صغيرٍ سكّيناً فوقع عليها فتلف ، كان ضمانه على عاقلة الدافع ، وبه قال أبو حنيفة (١).
وهو ممنوع ؛ للفرق بين الإيداع ، والبيع والإقراض ؛ لأنّ ذلك تمليك وتسليط على التصرّف ، والإيداع تسليط على الحفظ دون الإتلاف والتصرّف ، ويخالف دفع السكّين ؛ لأنّه سبب في الإتلاف ، ودفع الوديعة ليس سبباً في إتلافها.
ولو أودع ماله عند عبدٍ ، فإن تلف عنده من غير تفريطٍ فلا ضمان عليه ، وإن تلف بتفريطه أو أتلفه ضمن ، وكان المال متعلّقاً بذمّته لا برقبته ، كما لو أتلف ابتداءً.
ولا فرق بين أن يأذن له سيّده في الاستيداع أو يمنعه ، ويتبع ذلك
__________________
(١) المغني ٧ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٣١٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٦ ، الوجيز ١ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ١١٦ ، البيان ٦ : ٤٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٨٧ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١١٨ ، طريقة الخلاف بين الأسلاف : ٣٠٣.