الناس إلى حفظ أموالهم ، وربما تعذّر ذلك عليهم بأنفسهم إمّا لخوفٍ أو سفرٍ أو عدم حرزٍ ، فلو لم يشرع الاستيداع لزم الحرج المنفيّ بقوله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) ولأنّه نفعٌ لا ضرر فيه ، فكان مشروعاً.
مسألة ١ : إذا عرفتَ الوديعة في عرف اللغة ، فهي في عرف الفقهاء عبارة عن عقدٍ يفيد الاستنابة في الحفظ ، لكن قد عرفت أنّ العرف اللغوي يقتضي أن تكون هي المال ، وكذا العرف العامّي ، والإيداع هو العقد.
وهي جائزة من الطرفين بالإجماع ، لكلٍّ منهما فسخه.
ولا بدّ فيها من إيجابٍ وقبولٍ.
فالإيجاب هو كلّ لفظٍ دالٍّ على الاستنابة بأيّ عبارةٍ كان ، ولا ينحصر في لغةٍ دون أُخرى ، ولا في عبارةٍ دون عبارةٍ ، ولا يفتقر إلى التصريح ، بل يكفي التلويح والإشارة والاستعطاء.
والقبول قد يكون بالقول ، وهو كلّ لفظٍ يدلّ على الرضا بالنيابة في الحفظ بأيّ عبارةٍ كان ، وقد يكون بالفعل.
وهل الوديعة عقد برأسه ، أو إذن مجرّد؟ الأقرب : الأوّل.
مسألة ٢ : إذا دفع الإنسان إلى غيره وديعةً وكان المدفوع إليه عاجزاً عن حفظها ، لم يجز له قبولها ؛ لما فيه من إضاعة مال الغير ، وقد نهى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عنه (٢).
وإن كان قادراً لكنّه غير واثقٍ من نفسه بالأمانة ، لم يجز له القبول ؛
__________________
(١) الحجّ : ٧٨.
(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٣٩ ، و ٩ : ١١٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٣ ، سنن الدارمي ٢ : ٣١١ ، مسند أحمد ٥ : ٣٠٥ و ٣١٢ / ١٧٧٢٧ و ١٧٧٦٨.