علمه ، وكان داود يقول له : طوبى لك ـ يا لقمان ـ أوتيت الحكمة ، وصرفت عنك البلية ، وأعطي داود الخلافة ، وابتلي بالحكم والفتنة».
قال : ثم قال أبو عبد الله عليهالسلام في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
قال : «فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطّر وانشق (١) ، فكان فيما وعظه به ـ يا حمّاد ـ أن قال له : يا بني ، إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد.
يا بني ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ، ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضرّ بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صوما يمنعك عن الصلاة ، فإنّ الصلاة أحب إلى الله من الصيام.
يا بني ، إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان ، واجعل شراعها التوكل ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك.
يا بنيّ ، إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا ، ومن عني بالأدب اهتم به ، ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن تكلف علمه اشتد طلبه ، ومن اشتد طلبه أدرك منفعته ، فاتخذه عادة ، فإنك تخلف في سلفك ، وينتفع به من خلفك ، ويرتجيك فيه راغب ، ويخشى صولتك راهب ، وإياك والكسل عنه بالطلب لغيره ، فإن غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة ، وإذا فاتك لب العلم في مظانّه فقد غلبت على الآخرة ، واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك
__________________
(١) قال المجلسي (رحمهالله) : قوله : «حتى تفطر وانشق» كناية عن غاية تأثير الحكمة فيه ، البحار : ج ١٣ ، ص ٤١٣.