أشرفهم لديك؟ فقال الله جل جلاله : لولاهم ما خلقتكما ، هؤلاء خزنة علمي ، وأمنائي على سري ، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد ، وتتمنّيا منزلتهم عندي ومحلّهم من كرامتي ، فتدخلا بذلك في نهبي وعصياني ، فتكونا من الظالمين. قالا : ربنا ، ومن الظالمون؟ قال : المدّعون منزلتهم بغير حق. قالا : ربنا ، فأرنا منازل ظالميهم في نارك ، حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك.
فأمر الله تبارك وتعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النكال والعذاب ، وقال عزوجل : مكان الظالمين لهم ، المدعين لمنزلتهم في أسفل درك منها ، كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ، وكلما نضجت جلودهم بدلوا سواها ليذوقوا العذاب. يا آدم ، ويا حواء ، لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما من جواري ، وأحل بكما هواني.
فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ، وقال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين ، أو تكونا من الخالدين ، وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ، فدلاهما بغرور ، وحملهما على تمني منزلتهم ، فنظرا إليهم بعين الحسد ، فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة ، فعاد مكان ما أكلا شعيرا ـ فأصل الحنطة كلها ما لم يأكلاه ، وأصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه ـ فلما أكلا من الشجرة طار الحليّ والحلل عن أجسادهما ، وبقيا عريانين (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ قالَ اهْبِطُوا)(١) من جواري ، فلا يجاورني في جنتي من يعصيني ، فاهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش.
فلما أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل عليهالسلام ، فقال
__________________
(١) الأعراف : ٢٢ ـ ٢٤.