لم يؤت الزكاة يومئذ أحد وهو راكع غير رجل واحد ، لو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط مع ما أسقط من ذكره ، وهذا وما أشبهه من الرموز التي ذكرت لك ثبوتها في الكتاب ليجهل معناه المحرّفون ، فيبلغ إليك وإلى أمثالك ، وعند ذلك قال الله عزوجل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(١)» (٢).
وقال الطبرسي : في قوله تعالى : (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) معناه : أن يقوم الرجل منكم وحده ، أو مع غيره ، ثم تتساءلون هل جربنا على محمد كذبا ، أو هل رأينا به جنة. ففي ذلك دلالة على بطلان ما ذكرتم فيه ، وليس معنى القيام هنا القيام على الأرجل ، وإنما المراد به القصد للإصلاح والإقبال عليه مناظرا مع غيره ، ومتفكرا في نفسه ، لأن الحق إنما يتبين للإنسان بهما.
وقد تم الكلام عند قوله (تَتَفَكَّرُوا). وما للنفي ، قال قتادة : أي ليس بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم جنون ، وإن جعلت تمام الكلام آخر الآية ، فالمعنى : ثم تتفكروا أي شيء بصاحبكم من الجنون أي : هل رأيتم ، من منشئه إلى مبعثه ، وصمة تنافي النبوة ، من كذب ، أو ضعف في العقل ، أو اختلاف في القول والفعل ، فيدل ذلك على الجنون.
(إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ) أي : مخوف من معاصي الله (بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) : عذاب القيامة (٣).
__________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) الاحتجاج : ص ٢٥٤.
(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٢٥.