الأنصار أبي بن كعب ، وكانا بدريين ، فقرأ عبد الله من السورة التي يذكر فيها لقمان ، حتى أتى على هذه الآية : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) الآية ، وقرأ أبيّ من السورة التي يذكر فيها إبراهيم عليهالسلام : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(١).
قالوا : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيّام الله : نعماؤه ، وبلاؤه ، ومثلاته سبحانه ، ثم أقبل صلىاللهعليهوآلهوسلم على من شهده من أصحابه ، فقال : إني لأتخولكم (٢) بالموعظة تخوّلا مخافة السآمة (٣) عليكم ، وقد أوحى إلي ربي جل جلاله أن أذكركم بأنعمه ، وأنذركم بما اقتصّ عليكم من كتابه ، وتلا : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) الآية.
ثم قال لهم : قولوا الآن قولكم : ما أول نعمة رغبكم الله فيها ، وبلاكم بها؟ فخاض القوم جميعا ، فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش ، والرّياش ، والذرية ، والأزواج إلى سائر ما بلاهم الله عزوجل به من أنعمه الظاهرة ، فلما أمسك القوم أقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على عليّ عليهالسلام ، فقال : يا أبا الحسن ، قل ، فقد قال أصحابك. فقال : وكيف لي بالقول ـ فداك أبي وأمي ـ وإنما هدانا الله بك! قال : ومع ذلك فهات ، قل ، ما أول نعمة بلاك الله عزوجل ، وأنعم عليك بها؟ قال : أن خلقني ـ جلّ ثناؤه ـ ولم أك شيئا مذكورا. قال : صدقت ، فما الثانية؟ قال : أن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيا لا مواتا. قال : صدقت ، فما الثالثة؟ قال : أن أنشأني ـ فله الحمد ـ في أحسن صورة ، وأعدل تركيب. قال : صدقت ، فما الرابعة؟ قال : أن جعلني متفكرا راغبا ، لا بلهة ساهيا. قال : صدقت ، فما الخامسة؟ قال : أن
__________________
(١) إبراهيم : ٥.
(٢) يتخولنا بالموعظة : أي يتعهدنا. «النهاية : ج ٢ ، ص ٨٨».
(٣) السآمة : الملل والضجر. «النهاية : ج ٢ ، ص ٣٢٨».