فلم ينظروا فيها ، والمواعظ فلم يتعظوا بها ، أمر نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يحاكمهم إليه ليفعل بهم ما يستحقونه فقال : (قُلِ) يا محمد ادع بهذا الدعاء (اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : يا خالقهما ومنشئهما (عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ)(١) أي : يا عالم ما غاب علمه عن جميع الخلق ، وعالم ما شهدوه وعلموه (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ) يوم القيامة (فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) في دار الدنيا من أمر دينهم ودنياهم ، وتفصل بينهم بالحق في الحقوق والمظالم أي : فاحكم بيني وبين قومي بالحق. وفي هذا بشارة للمؤمنين بالظفر والنصر ، لأنه سبحانه إنما أمره به للإجابة لا حالة. وعن سعيد بن المسيب أنه قال : إني لأعرف موضع آية لم يقرأها أحد قط فسأل الله شيئا إلا أعطاه ، قوله (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية. ثم أخبر سبحانه عن وقوع العقاب بالكفار بأن قال : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) زيادة عليه (لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقد مضى تفسيره. (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) أي : ظهر لهم يوم القيامة من صنوف العذاب ما لم يكونوا ينتظرونه ، ولا يظنونه واصلا إليهم ، ولم يكن في حسابهم. قال السدي : ظنوا أعمالهم حسنات ، فبدت لهم سيئات. وقيل : إن محمد بن المنكدر ، جزع عند الموت ، فقيل له : أتجزع؟ قال : أخذتني آية من كتاب الله ، عزوجل : (وَبَدا لَهُمْ) الآية. أخذتني أن يبدو لي من الله ما لم أحتسب. (وَبَدا لَهُمْ) : أي وظهر لهم أيضا (سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي : جزاء سيئات أعمالهم (وَحاقَ بِهِمْ) أي : نزل بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهو كل ما ينذرهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مما كانوا ينكرونه ، ويكذبون به. ثم أخبر عن شدة تقلب الإنسان من حال إلى حال ، فقال : (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) من
__________________
(١) مرّ تفسيرها عن طريق روايات أهل البيت عليهمالسلام في سورة الأنعام (٧٣) والسجدة (٦).