فيحبس عنهم الجواب أربعين سنة ، وهم في العذاب ، ثم يجيبهم ، كما قال الله تعالى في كتابه المكنون : (قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ)(١) قال : فإذا يئسوا من مولاهم رب العالمين الذي كان أهون شيء عندهم في دنياهم ، وكان قد آثر كل واحد منهم عليه هواه مدّة الحياة ، وكان قد قرّر عندهم (٢) بالعقل والنقل أنه واضح لهم على يد الهداة سبل النجاة ، وعرّفهم بلسان الحال أنهم الملقون بأنفسهم إلى دار النكال والأهوال ، وأن باب القبول يغلق عن الكفار بالممات أبد الآبدين ، وكان يقول لهم في أوقات كانوا في الحياة الدنيا من المكلفين بلسان الحال الواضح المبين : هب أنكم ما صدقتموني في هذا المقال ، أما تجوّزون أن أكون مع الصادقين؟ فكيف أعرضتم عني وشهدتم بتكذيبي وتكذيب من صدّقني من المرسلين والمؤمنين؟ فهلا تحرزتم من هذا الضرر المحذر الهائل؟ أما سمعتم بكثرة المرسلين ، وتكرار الرسائل. ثم كرر جل جلاله مواقفهم وهم في النار ببيان المقال ، ، فقال : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ)(٣). قال : فيبقون أربعين سنة في ذل الهوان لا يجابون ، وفي عذاب النيران لا يكلمون ، ثم يجيبهم الله جل جلاله : (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ)(٤) ، قال : فعند ذلك ييأسون من كل فرج وراحة ، وتغلق أبواب جهنم عليهم ، وتدوم لديهم مآتم الهلاك والشّهيق والزفير والصراخ والنياحة (٥).
__________________
(١) الزخرف : ٧٧.
(٢) في البحار : قد قدر عندهم.
(٣) المؤمنون : ١٠٥ ـ ١٠٧.
(٤) المؤمنون : ١٠٨.
(٥) الدروع الواقية : ٥٨ «مخطوط» ، البحار : ج ٨ ، ص ٣٠٤ ، ح ٦٣.