عليه مسجد الفتح في غزوة الأحزاب ، في ليلة ظلماء قرّة (١) ، فقال : من يذهب فيأتينا بخبرهم ، وله الجنّة؟ فلم يقم أحد ، ثم أعادها ، فلم يقم أحد ـ فقال أبو عبد الله عليهالسلام بيده ـ وما أراد القوم ، أرادوا أفضل من الجنة؟! ثم قال : من هذا؟ فقال : حذيفة. فقال : أما تسمع كلامي منذ الليلة ، ولا تكلم؟ اقترب. فقام حذيفة ، وهو يقول : القرّ والضر ـ جعلني الله فداك ـ منعني أن أجيبك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : انطلق حتى تسمع كلامهم تأتيني بخبرهم. فلما ذهب قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، حتى تردّه ـ وقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ يا حذيفة ، لا تحدث شيئا حتى تأتيني. فأخذ سيفه وقوسه وحجفته (٢). قال حذيفة : فخرجت ، وما بي من ضرّ ولا قرّ ، فمررت على باب الخندق ، وقد اعتراه المؤمنون والكفار.
فلما توجه حذيفة ، قام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونادى : يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، اكشف همي وغمي وكربي ، فقد ترى حالي وحال أصحابي. فنزل عليه جبرئيل عليهالسلام ، فقال : يا رسول الله ، إن الله عز ذكره قد سمع مقالتك ، ودعاءك ، وقد أجابك ، وكفاك هول عدوك. فجثا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على ركبتيه ، وبسط يديه ، وأرسل عينيه ، ثم قال : شكرا ، شكرا كما رحمتني ، ورحمت أصحابي. ثم قال يا رسول الله ، قد بعث الله عزوجل عليهم ريحا من السماء الدنيا فيها حصى ، وريحا من السماء الرابعة فيها جندل (٣).
قال حذيفة : فخرجت ، فإذا أنا بنيران القوم ، وأقبل جند الله الأوّل ، ريح فيها حصى ، فما تركت لهم نارا إلا أذرتها ، ولا خباء إلا طرحته ، ولا رمحا
__________________
(١) القرّ : البرد. «النهاية : ج ٤ ، ص ٣٨».
(٢) الحجفة : الترس. «الصحاح ـ حجف ـ ج ٤ ، ص ١٣٤١».
(٣) الجندل : الحجارة. «لسان العرب ـ جندل ـ ج ١١ ، ص ١٢٨».