قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)(١) فلم يؤمنوا ، وعتوا ، فأوحى الله إلى هود عليهالسلام : أنه يأتيهم العذاب في وقت كذا وكذا (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) ، فلما كان ذلك الوقت ، نظروا إلى سحابة ، قد أقبلت ، ففرحوا وقالوا : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) الساعة بمطر ، فقال لهم هود : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ). في قوله تعالى : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) ، فلفظه عامّ ومعناه خاص ، لأنها تركت أشياء كثيرة لم تدمّرها ، وإنما دمرت مالهم كله ، فكان كما قال الله تعالى : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) ، وكل هذه الأخبار من هلاك الأمم تخويف وتحذير لأمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) ، أي قد أعطيناهم فكفروا ، فنزل بهم العذاب ، فاحذروا أن ينزل بكم ما نزل بهم. ثم خاطب الله تعالى قريشا : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) ، أي بينا ، وهي بلاد عاد وقوم صالح وقوم لوط ، ثم قال احتجاجا عليهم : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أي بطلوا (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) أي كذبهم (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ).
قال : قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) ، إلى قوله تعالى : (فَلَمَّا قُضِيَ) ، أي فرغ (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا) إلى قوله تعالى : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، فهذا كله حكاية عن الجنّ ، وكان سبب نزولها أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج من مكة إلى سوق عكاظ ، ومعه زيد بن حارثة ، يدعو الناس إلى الإسلام ، فلم يجبه أحد ، ولم يجد من يقبله ، ثم رجع إلى مكة ، فلما بلغ موضعا [يقال] له : وادي مجنّة
__________________
(١) هود : ٥٢.