وخرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأرسل إليه المشركون ، أبان بن سعيد في الخيل ، فكان بإزائه ، ثم أرسلوا الحليس ، فرأى البدن وهي تأكل بعضها أوبار بعض ، فرجع ولم يأت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال لأبي سفيان : يا أبا سفيان ، أما والله ما على هذا حالفناكم على أن تردوا الهدي عن محله ، فقال : اسكت فإنما أنت أعرابي ، فقال : أما والله لتخلين عن محمد وما أراد أو لأنفردنا في الأحابيش. فقال : اسكت حتى نأخذ من محمد ولثا (١).
فأرسلوا إليه عروة بن مسعود ، وقد كان جاء إلى قريش في القوم الذين أصابهم المغيرة بن شعبة ، خرج معهم من الطائف ، وكانوا تجارا فقتلهم ، وجاء بأموالهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأبى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقبلها ، وقال : هذا غدر ، ولا حاجة لنا فيه. فأرسلوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : يا رسول الله ، هذا عروة بن مسعود ، قد أتاكم وهو يعظم البدن ، قال : فأقيموها. فأقاموها ، فقال : يا محمد ، مجيء من جئت؟ قال : جئت أطوف بالبيت ، وأسعى بين الصفا والمروة ، وأنحر الإبل ، وأخلي عنكم وعن لحماتها. قال : لا واللات والعزى ، فما رأيت مثلك ، رد عما جئت له ، إن قومك يذكرونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم ، وأن تقطع أرحامهم ، وأن تجرىء عليهم عدوهم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما أنا بفاعل حتى أدخلها.
قال : وكان عروة بن مسعود حين كلم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تناول لحيته ، والمغيرة قائم على رأسه ، فضرب بيده. فقال : من هذا يا محمد؟ فقال : هذا ابن أخيك المغيرة. فقال : يا غدر (٢) والله ما جئت إلا في غسل سلحتك (٣).
قال : فرجع إليهم فقال لأبي سفيان وأصحابه : لا والله ما رأيت مثل
__________________
(١) الولث : العهد بين القوم يقع من غير قصد. «لسان العرب : ج ٢ ، ص ٢٠٣.
(٢) أي يا غادر.
(٣) السلح : النجو. «أقرب الموارد ـ سلح ـ ج ١ ، ص ٥٣١.