فلما فتح الله عزوجل على نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم مكة ، قال له : يا محمد : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) ـ مكة ـ (فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ، عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر ، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد لله إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم. فقال المأمون لله درّك يا أبا الحسن (١).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في غزاة الحديبية ، خرج في ذي القعدة ، فلما انتهى ، إلى المكان الذي أحرم فيه أحرموا ولبسوا السلاح ، فلما بلغه أن المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد يرده ، قال : ابغوني رجلا يأخذني على غير هذه الطريق. فأتي برجل من مزينة ، أو من جهينة ، فسأله فلم يوافقه ، فقال : ابغوني رجلا غيره ، فأتي برجل آخر ، إما من مزينة أو من جهينة ، قال : فذكر له فأخذه معه حتى انتهى إلى العقبة ، فقال : من يصعدها حط الله عنه كما حط عن بني إسرائيل. فقال لهم : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ)(٢) ، قال : فابتدرتها خيل الأنصار الأوس والخزرج ، قال : وكانوا ألفا وثمانمائة ، قال : فلما هبطوا إلى الحديبية إذا امرأة معها ابنها على القليب ، فسعى ابنها هاربا ، فلما أثبتت أنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صرخت به : هؤلاء الصابئون (٣) ، ليس عليك منهم بأس. فأتاها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأمرها فاستقت دلوا من ماء ، فأخذه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فشرب وغسل وجهه ، فأخذت فصلته فأعادته في البئر فلم تبرح حتى الساعة.
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ج ١ ، ص ٢٠٢ ، ح ١.
(٢) الأعراف : ١٦١.
(٣) صبأ فلان : إذا خرج من دين إلى دين غيره ، وكانت العرب تسمي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الصابىء ، لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام ، ويسمون المسلمين الصباة. «النهاية : ج ٣ ، ص ٣.