(أَمْ يَقُولُونَ) أي بل يقولون هو (شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أي ننتظر به حدثان الموت ، وحوادث الدهر ، فيهلك كما هلك من تقدم من الشعراء. والمنون : يكون بمعنى الدهر ، ويكون بمعنى المنية. ثم قال سبحانه : (قُلْ) لهم يا محمد (تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أي : إنكم إن تربصتم في حوادث الدهر ، فإني منتظر مثل ذلك بكم. وتربص الكفار بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين قبيح ، وتربص النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين بالكفار ، وتوقعهم لهلاكهم حسن. وقوله : ف (تَرَبَّصُوا) وإن كان بصيغة الأمر ، فالمراد به التهديد. (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) أي بل تأمرهم عقولهم بما يقولونه لك ، ويتربصونه بك. قال المفسرون : كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول ، فأزرى الله سبحانه بعقولهم ، حيث لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل. ثم أخبر سبحانه عن طغيانهم فقال : (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) وقرأ مجاهد : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ). وبل في المعنى قريبة من أم هنا ، إلا أن ما بعد بل متيقن ، وما بعد أم مشكوك فيه. والمعنى : إن عقولهم لم تأمرهم بهذا ، ولم تدعهم إليه ، بل حملهم الطغيان على تكذيبك. (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) أي افتعل القرآن وتكذبه من تلقاء نفسه. والتقول : تكلف القول ، ولا يقال ذلك إلا في الكذب. (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) أي ليس الأمر كما زعموا ، بل ثبت أنه من عند الله ، ولكنهم لا يصدقون بذلك عنادا وحسدا واستكبارا.
ثم ألزمهم سبحانه الحجة وتحداهم فقال : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) أي مثل القرآن ، وما يقاربه في نظمه وفصاحته وحسن بيانه وبراعته. (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في أنه تقوله محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإذا لم يقدروا على الإتيان بمثله ، فليعلموا أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يتقوله من تلقاء نفسه ، بل هو من عند الله تعالى. ثم احتج عليهم بابتداء الخلق فقال : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أي أم خلقوا لغير شيء أي : أخلقوا باطلا لا يحاسبون ، ولا يؤمرون ، ولا ينهون ، ونحو هذا. وقيل :