معناه أم خلقوا عبثا ، وتركوا سدى. وهذا في المعنى مثل الأول. وقيل : معناه أخلقوا من غير خالق ومدبر دبرهم. (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) أنفسهم ، فلا يجب عليهم لله أمر. (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) واخترعوهما ، فلذلك لا يقرون بالله ، وبأنه خالقهم (بَلْ لا يُوقِنُونَ) بأن لهم إلها يستحق العبادة وحده ، وأنك نبي من جهة الله. (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) أي بأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة ، فيضعونها حيث شاؤوا. وقيل : أراد خزائن المطر والرزق. وقيل : خزائنه مقدوراته فلا يأتيهم إلا ما يحبون. (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) أي الأرباب المسلطون على الناس ، فليس عليهم مسيطر ، ولا لهم ملزم ومقوم. وقيل : معناه أم هم المالكون الناس ، القاهرون لهم. (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) أي مرقى ومصعد إلى السماء (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) الوحي من السماء ، فقد وثقوا بما هم عليه ، وردوا ما سواه (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجة ظاهرة واضحة إن ادعى ذلك. والتقدير : يستمعون عليه ، فهو كقوله : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ). وإنما قيل لهم ذلك ، لأن كل من يدعي ما لا يعلم ببداية العقول ، فعليه إقامة البينة والحجة. (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) وهذا تسفيه لأحلامهم ، إذ أضافوا إلى الله سبحانه ما أنفوا منه ، وهذا غاية في جهلهم ، إذ جوزوا عليه سبحانه الولد ، ثم ادعوا أنه اختار الأدون على الأعلى (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) أي ثوابا على أداء الرسالة ، وعلى ما جئتهم به من الدين والشريعة. (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أثقلهم ذلك الغرم الذي تسألهم ، فمنعهم ذلك عن الإيمان بك (١).
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٧٨.