عاقلا لبيبا ، وهو الذي أنزل الله تعالى فيه : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)(١).
وقال علي بن إبراهيم : ثم حكى الله عزوجل قول قريش : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ) يعني هلا نزل القرآن (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)؟ وهو عروة بن مسعود ، والقريتين : مكة والطائف ، وكان جزاهم بما يحتمل الديات ، وكان عم المغيرة بن شعبة ، فرد الله عليهم ، فقال : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) ، يعني النبوة والقرآن حين قالوا : لم لم ينزل على عروة بن مسعود ، ثم قال تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) يعني في المال والبنين (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
وهذا من أعظم دلالة الله على التوحيد ، لأنه خالف بين هيئاتهم وتشابههم ودلالاتهم وإراداتهم وأهوائهم ، ليستعين بعضهم على بعض ، لأن أحدهم لا يقوم بنفسه لنفسه ، والملوك والخلفاء لا يستغنون عن الناس ، وبهذا قامت الدنيا والخلق المأمورون المنهيّون المكلفون ، ولو احتاج كل إنسان أن يكون بناء لنفسه وخياطا لنفسه وحجاما لنفسه وجميع الصناعات التي يحتاج إليها ، لما قام العالم طرفة عين ، لأنه لو طلب كل إنسان العلم ، ما دامت الدنيا ، ولكنه عزوجل خالف بين هيئاتهم ، وذلك من أعظم الدلالة على التوحيد (٢).
وقال الإمام الحسن بن علي عليهماالسلام : «قلت لأبي علي بن محمد عليهماالسلام : فهل كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يناظرهم إذا عانتوه ويحاجّهم؟ قال : بلى ، مرارا كثيرة ، منها ما حكى الله من قولهم : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١٠.
(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٣.