ولا خطر له عنده كما كان له عندك ، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء ، وليس قسمة رحمة الله إليك ، بل الله القاسم للرحمة ، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه ، وليس هو عزوجل ممن يخاف أحدا كما تخافه لماله أو لحاله فتعرفه بالنبوة لذلك ، ولا ممن يطمع في أحد في ماله وحاله كما تطمع فتخصه بالنبوّة لذلك ، ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب فتقدم من لا يستحق التقديم ، وإنما معاملته بالعدل ، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين وجلاله ، إلا الأفضل في طاعته ، والآخذ في خدمته ، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله ، إلا أشدهم تباطؤا عن طاعته ، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال ، بل هذا المال والحال من فضله ، وليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب.
فلا يقال له : إذا تفضلت بالمال على عبد ، فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوّة أيضا ، لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ، ولا إلزامه تفضّلا ، لأنه تفضل قبله بنعمة ، ألا ترى ـ يا عبد الله ـ كيف أغنى واحدا وقبح صورته؟ وكيف حسّن صورة واحد وأفقره؟ وكيف شرف واحدا وأفقره؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه؟ ثم ليس لهذا الغني أن يقول : هلا أضيف إلى يساري جمال فلان؟ ولا للجميل أن يقول : هلا أضيف إلى جمالي مال فلان؟ ولا للشريف أن يقول : هلا أضيف إلى شرفي مال فلان؟ ولا للوضيع أن يقول : هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان؟ ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ، ويفعل ما يشاء ، وهو حكيم في أفعاله ، محمود في أعماله ، وذلك قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).
قال الله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) يا محمد (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فأحوجنا بعضا إلى بعض ، أحوجنا هذا إلى مال ذاك ، وأحوجنا ذاك إلى سلعة هذا وإلى خدمته ، فترى أجل الملوك وأغنى