٢. إذا كانت هذه الحقائق موجودة في الشرائع السماوية ، وكانت للعرب صلة وثيقة باليهود والنصارى ، فقد كانت « يثرب » معقل اليهود و « نجران » مركزاً للنصارى ، وكانت لقريش رحلتان في الشتاء والصيف ، فرحلة في فصل الشتاء إلى « اليمن » التي كانت تتواجد فيها اليهود بكثرة ، ورحلة في فصل الصيف إلى الشام التي كانت يوم ذاك مركزاً للنصارى ، فلم يكن للعرب يوم ذاك بُدّ من وجود لفظ ، يعبّر به عن عباداتهم : صلاتهم وصومهم ، ولم يكن ذلك اللفظ سوى نفس هذه الألفاظ.
ويؤيّد ذلك انّ القرآن استعملها في نفس تلك المعاني في بدء البعثة فجاءت الآيات التالية في السور المكية النازلة في صدر البعثة :
١. ( أَرأيتَ الذي ينهى * عبداً إِذا صلّى ). (١)
٢. ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى * وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَولّى ). (٢)
٣. ( قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّين * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكين ). (٣)
٤. ( إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثَر * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ). (٤)
فقد نزلت هذه الآيات في أوائل البعثة ، مع أنّ الصلاة فرضت في ليلة المعراج وكان عروجه إلى السماء في العام العاشر من الهجرة ، وقد ورد لفظ الصلاة في السور المكية قرابة ٣٥ مرة. كلّ ذلك يدلّ على أنّ العرب المعاصرين لعصر الرسالة كانوا يستعملون تلك الألفاظ في نفس هذه المعاني ، بلا قرينة. وانّ الوحي اتبع اللغة الدارجة بين قوم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وبالجملة : المهم في هذا الأمر ، هو الوقوف على أنّ العرب كانت لهم صلة
__________________
١ ـ العلق : ٩ ـ ١٠.
٢ ـ القيامة : ٣١ ـ ٣٢.
٣ ـ المدثر : ٤٣ ـ ٤٤.
٤ ـ الكوثر : ١ ـ ٢.