الدليل الرابع : ويمكن تقريره بالنحو التالي ، وهو مركّب من مقدمات أربع :
أ : انّ طريقة العقلاء في وضع الألفاظ هي وضعها للصحيح.
ب : انّ الداعي إليه هو كثرة الحاجة إلى تفهيم الصحيح.
ج : انّ هذه الحكمة أيضاً موجودة في وضع الشارع.
د : لا يصحّ التخطّي عن هذه الطريقة. (١)
يلاحظ عليه : بمنع المقدمة الثانية وهو كثرة الحاجة إلى تفهيم الصحيح فانّ الحاجة إلى تفهيم الفاسد ليست بأقل من العكس ، والأولى أن يقرر بنحو آخر ، وهو أنّ الغاية تحدِّد فعل الفاعل ، فلا يتصور أن يكون الفعل أوسع من الغرض والهدف ، فالسفر لغاية زيارة الصديق تتحدد بتلك الغاية ، وإرادة السفر في إطار أعم من هذا لا يصدر من الفاعل الحكيم.
وعلى ضوء هذا فنقول : إنّ الشارع اخترع الصلاة لغاية خاصة ، وهي تهذيب الإنسان وتربيته ، ومن المعلوم أنّ تلك الغاية من نتائج الصلاة التامة لا الناقصة ، ومن آثار الصلاة الصحيحة لا الفاسدة ، فإذا كان الداعي للاعتبار هو تهذيب الإنسان وتربيته فيتحدد فعله ( أي اعتباره ماهية الصلاة ) بتلك الغاية ، فينتج أنّ ما هو المعتبر عند الشارع هو الصلاة الصحيحة لترتب الغرض عليه فقط ، وطبيعة الحال أن يكون المسمّى هو نفس المعتبر بأن يكون اللفظ موضوعاً لنفس ما اعتبره لا للأعم منه.
نعم ربّما يتعلق الغرض بتفهيم قسم آخر وهو الفاسد فله أن يطلق عليه عناية. فقد خرجنا بالنتيجة التالية : انّ ألفاظ العبادات موضوعة للصحيح منها.
__________________
١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ٢٦.