وأمّا الظهور المستقر فهو ما يتبادر من الآية بعد الإمعان في القرائن الحافّة بها ، بضميمة الرجوع إلى الآيات المحكمة التي هي كالقرائن المنفصلة بالنسبة إلى الآية ، وعلى ذلك فالمراد من التأويل الذي هو مصدر باب التفعيل ، بمعنى إرجاع الآية إلى ما هو المقصود بالتأمل في القرائن والشواهد المتصلة والمنفصلة.
ومن القول الخطأ تفسير التأويل بمعنى حمل الآية على خلاف ظاهرها ، لأجل مخالفتها لحكم العقل أو الحكم القطعي من الشارع فيؤوّل أي يصرف إلى خلاف ظاهرها بغية الجمع بين مفاد الآية وحكم العقل أو الآيات الأُخرى.
وجه الخطأ : انّ التأويل بهذا المعنى مصطلح جديد للمفسرين والأُصوليّين وليس له أثر في كتب اللغة ، وحاشا أن توجد في القرآن آية مخالفة لحكم العقل ، أو الحكم القطعي في الشرع حتى يصرف إلى خلاف ظاهرها ، فما يتبادر من المخالفة كما في مورد الصفات الخبرية فإنّما هي مخالفة بدوية وظهور غير مستقر ، وأمّا الظهور المستقر للآية فلا يكون مخالفاً لسائر الأدلة ، ولأجل المزيد من الإيضاح نأتي بمثال يرجع إلى استعمال اليد في الآيات :
١. يقول سبحانه ( قالَ يا إِبليسُ ما مَنَعَكَ أن تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَديّ أَسْتَكْبَرتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العالِين ). (١)
فنقول : إنّ اليد في الآية استعملت في العضو المخصوص ولكن كُنِّي بها عن الاهتمام بخلقة آدم حتى يتسنّى بذلك ذم إبليس على ترك السجود لآدم ، فقوله سبحانه : ( ما منَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بيدي ) كناية عن أنّ آدم لم يكن مخلوقاً لغيري حتى يصحّ لك يا شيطان التجنّب عن السجود له ، بحجّة أنّه لا صلة له بي ، مع أنّه موجود خلقتُه بنفسي ، ونفخت فيه من روحي ، فهو مخلوقي
__________________
١ ـ ص : ٧٥.