المحمولات ، وإلاّ كان كلّ باب ، بل كلّ مسألة من كلّ علم ، علماً على حدة ، فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجباً للتعدّد ، كما لا تكون وحدتهما سبباً لأن يكون من الواحد (١) ( إذا كان الغرض متعدّداً ).
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّه إذا كان بين العلمين تمايز في مرتبـة الذات كتمايز علم النفس وعلم النبات ، حيث إنّ الموضوع في الأوّل غيره في الثاني ، فلا تصل النوبة إلـى التمييز بالغرض الذي هـو أمر متأخّر عن جوهـر المسألة : موضوعها ومحمولها.
وثانياً : أنّ ما ذكره إنّما يتمّ ـ ظاهراً لا واقعاً ـ في العلوم التي تتّحد موضوعاً وتختلف في المسائل ، كعلمي الصرف والنحو ، حيث إنّ الصرف يبحث عن عوارض الكلمة والكلام من حيث الصحّة والاعتلال ، والنحو يبحث عن عوارضهما من حيث الإعراب والبناء ، فعند ذلك يتصوّر انّ المائز بين العلمين هو تعدّد الغرض وهو معرفة الصحيح والمعتل ، والمعرب والمبني ، ولكنّ هناك نكتة مغفول عنها وهي أنّ تغاير الغرضين رهن أمر جوهري أضفى للعلمين صبغة التعدّد ، وهو عبارة عن اختلاف مسائل العلمين جوهراً ، فالعلمان متميّزان في مرتبة متقدّمة على الغرض ، والدليل على أنّ الجهة الجامعة لمسائل علم الصرف غير الجهة الجامعة لمسائل علم النحو ، فكلّ يجمعها جهة جامعة متغايرة فالأولى اسناد الميز إلى تلك الجهة الجامعة لا إلى الغرض العائد منها.
وثالثاً : أنّ المراد من الغرض إمّا غرض تدويني أو غرض تعليمي ، وكلاهما متأخران عن العلم ، فلابدّ أن يكون للعلم ميز جوهري قبل هذين الغرضين.
__________________
١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ٥.