عليه الأمر فإنّما هو بالمشاكلة ، أو لكونه بصورة الأمر لأنّه مقتضى استعلائه.
وأمّا القول الثالث : أعني : اعتبار كليهما ، فهذا هو المختار أمّا العلو فواضح لما عرفت من التبادر.
وأمّا الاستعلاء فنمنع صدق الأمر على طلب العالي من السافل بلسان الاستدعاء ، وذلك لأنّ مورد البحث هو ما إذا صدر الطلب بلسان المولوية والعبودية ، وفي مثله يعتبر الاستعلاء ، ولو كان الكلام خارجاً عن تلك الدائرة فلا يطلق عليه انّه الأمر بل يطلق عليه الاستدعاء حتى ولو صدر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويشهد لذلك ما رواه ابن عباس حيث إنّ بريرة كانت زوجة للعبد فلما اعتقت كان لها الخيار ـ حسب الحكم الشرعي ـ بين البقاء على حبالة زوجها أو المفارقة ، فاختارت هي ، المفارقة ؛ فاتّصل زوجها بعمّ النبي العباس بن عبد المطلب ليكلّم النبي حتى يأمرها بالبقاء ، فلمّا كلمها النبي ، وقال لها : « إنّه زوجك » فقالت بريرة : أتأمرني يا رسول اللّه؟ فقال : لا ، إنّما أنا شافع ، قال : فخيّـرها ، فاختارت نفسها. (١)
ترى أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما يخاطبها ، بقوله : « إنّه زوجك » ، الظاهر في أنّ الإبقاء مع حبالة الزوج السابق ، كان مورد رغبة النبي ، فسألته صلىاللهعليهوآلهوسلم وقالت : أتأمرني بكلامك هذا؟ فنفى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الأمر وأثبت الشفاعة ، فلو كان وجود العلو كافياً في صدق الأمر لما كان لبريرة السؤال عن مقصود النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لملازمة العلو وحده مع الأمر.
وهذا ـ أي سؤالها عن مقصود النبي ـ يدلّ على أنّ خطاب العالي على قسمين :
قسم يكون مقروناً بالاستعلاء فيكون أمراً ، وقسم آخر يكون بلسان الاستدعاء فيكون شفاعة.
__________________
١ ـ مسند أحمد : ١ / ٢١٥.