فالبحث في هذه المسائل كما في المقام أيضاً عن وجود الملازمة بين الأمرين وعدمها ، فالقائل بالوجوب يدّعي الملازمة ، والقائل بالعدم ينكر الملازمة.
فإن قلت : هل الملازمة في المقام من المستقلات العقلية أو من غير المستقلات العقلية؟
قلت : هي من القسم الثاني ، وذلك لأنّ الفرق بينها هو لو كانت الصغرى والكبرى عقليتين تعدّ المسألة من المستقلات العقلية ، كما في حسن العدل وقبح الظلم ، وحسن العمل بالميثاق وقبح التخلّف عنه ، وحسن جزاء الإحسان بالإحسان وقبح جزائه بالإساءة ، فالصغرى والكبرى كلاهما ممّا يدركهما العقل.
وأمّا إذا كانت الصغرى شرعية والكبرى عقلية فتكون المسألة من الأحكام العقلية غير المستقلة ، كما في المقام حيث إنّ الصغرى في باب المقدمة مأخوذة إمّا من الشارع أو من العرف والعادة ، فإذا قال الشارع : الوضوء مقدمة. يحكم العقل بوجود الملازمة بين الوجوبين ، أو قال : إزالة النجاسة عن المسجد واجبة ، يحكم العقل بوجود الملازمة بين وجوبها وحرمة ضدّها أعني الصلاة.
فإن قلت : إذا كان البحث في هذه المسائل الخمس مركزاً على وجود الملازمة وعدمها ، فلماذا يبحث عنها في الجزء الأوّل المختص بمباحث الألفاظ ، أليس الأولى البحث عنها في الجزء الثاني المخصص بالمباحث العقلية؟
قلت : الحقّ انّها من المباحث العقلية ، غير أنّ المقدمة لما كانت متوقفة على السماع من الشرع صار ذلك مسوغاً للبحث عنها في الجزء الأوّل المخصَّص بالمباحث اللفظية.
على أنّ هناك من الأُصوليين من قال بدلالة الأمر بذي المقدّمة على وجوب المقدّمة بالدلالة الوضعية الالتزامية ، وهي عند المنطقيين دلالة لفظية لا عقلية كما