فانّ التكاليف الشاقة وإن كان بظاهرها شاقة لكن وراء التكاليف مصالح لازمة التحصيل ، أو مفاسد واجبة التحرّز ، ومثل التكاليف الشاقة كشرب الدواء المر أو تحمّل الكي بالنار ، فانّ الجميع بظاهرها شاق ولكنّها في الباطن تعدّ من أسباب السعادة والسلامة.
وأمّا الكبرى ، فنمنع كلّيتها فانّه إنّما يُعد قبيحاً إذا لم يكن الغير مملوكاً للآمر والمفروض أنّه مملوك له.
وبذلك تبيّن أنّ القول بالتفضّل أوضح من القول بالاستحقاق ، وذلك لأنّ كلّ ما يملكه العبد من حول وقوّة وما يصرفه في طريق الطاعة كلّه ملك للّه سبحانه وليس للعبد دور سوى صرف نعمه سبحانه في موارد يرتضيها ، وعندئذ كيف يكون مستحقاً للأجر مع أنّه لم يبذل في طريق الطاعة شيئاً إلاّ ما أعطاه المولى ، يقـول سبحانـه : ( يأَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلى اللّهِ وَاللّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَميد ). (١)
قال العلاّمة الطباطبائي : وما يعطيه تعالى من الثواب للعبد تفضّل منه من غير استحقاق من العبد ، فإنّ العبد وما يأتيه من عمل ، ملك طلق له سبحانه ملكاً لا يقبل النقل والانتقال ، غير أنّه اعتبر اعتباراً تشريعيّاً ، العبدَ مالكاً وملّكه عمله ، وهو المالك لما ملّكه وهو تفضّل آخر ثمّ اختار ما أحبّه من عمله فوعده ثواباً على عمله وسمّاه أجراً وجزاء وهو تفضّل آخر ، ولا ينتفع به في الدنيا والآخرة إلاّ العبد. قال تعالى : ( للّذينَ أَحسنُوا مِنهُم واتّقَوا أجرٌ عَظِيم ) (٢) ، وقال : ( إِنَّ الّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون ) (٣) ، وقال بعد وصف الجنّة
__________________
١ ـ فاطر : ١٥.
٢ ـ آل عمران : ١٧٢.
٣ ـ فصّلت : ٨.