النظرية انقلاباً في عالم المجاز حيث استطاعت أن تغيّر العديد من المفاهيم السائدة آنذاك ، وحاصلها انّ اللفظ في مجال المجاز يستعمل في نفس المعنى الحقيقي بالإرادة الاستعمالية لكن بادّعاء انّ المورد من مصاديق المعنى الحقيقي ، يقول العلاّمة أبو المجد : إنّ تلك الألفاظ مستعملة في معانيها الأصلية ، ومستعملها لم يحدث معنى جديداً ولم يرجع عن تعهده الأوّل ، بل أراد بها معانيها الأوّلية بالإرادة الاستعمالية على نحو سائر استعمالاته من غير فرق بينهما في مرحلتي الوضع والاستعمال. (١)
والدليل على ذلك انّ الغاية المتوخاة من المجاز كالمبالغة في النضارة والصباحة أو الشجاعة أو إثارة التعجب لا يحصل إلاّ باستعمال اللفظ في المعنى الحقيقي لا في المعنى المجازي ، ويعلم ذلك بالإمعان في الأمثلة التالية :
١. يحكي سبحانه عن امرأة العزير انّه لما سمعت بمكر نسوة في حاضرة مصر بقوله : ( ... أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَة مِنْهُنَّ سِكّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ للّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَريمٌ ). (٢)
والغاية من وصفه بـ « ملك » هو المبالغة في النضارة والصباحة ، وهو لا يتم إلاّ أن يستعمل اللفظ في نفس المعنى الحقيقي « فرشته » لا في الإنسان الجميل ، لأنّه لا يؤمّن الغرض المنشود إلاّ به ، بشهادة انّك لو قلت هكذا : « ما هذا بشراً إنْ هذا إلاّ إنسان جميل » لسقطت العبارة عن قمة البلاغة.
٢. لدى أسد شاكي السلاح مقـذف |
|
له لبد اظفاره لم تقلم |
فالشاكي مقلوب « الشائك » وهو حدة السلاح ، وقوله : مقذف ، أي من له
__________________
١ ـ وقاية الأذهان : ١٠٣.
٢ ـ يوسف : ٣١.