الإيمان (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ) نخرجك من البحر (بِبَدَنِكَ) جسدك الذي لا روح فيه (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ) بعدك (آيَةً) عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك ، وعن ابن عباس أن بعض بني إسرائيل شكوا في موته فأخرج لهم ليروه (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) أي أهل مكة (عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (٩٢) لا يعتبرون بها (وَلَقَدْ بَوَّأْنا) أنزلنا (بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) منزل كرامة وهو الشام ومصر (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا) بأن آمن بعض وكفر بعض (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٩٣) من أمر الدين بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين (فَإِنْ كُنْتَ) يا محمد (فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) من القصص فرضا
____________________________________
يقر برسالة موسى عليهالسلام ، فلم يصح إيمانه. ومنها : أن قوله : (آمَنْتُ) ليس قاصدا به الإيمان حقيقة ، بل قصد به النجاة من البحر على حكم عادته ، إذا أصابته مصيبة رجع واستجار. وحكي أن جبريل عليهالسلام ، أتى لفروعون بفتوى : ما قول الأمير في عبد نشأ في مال مولاه ونعمته ، فكفر نعمته ، وجحد حقه ، وادعى السيادة دونه؟ فكتب فرعون فيه. يقول أبو العباس الوليد بن مصعب : جزاء العبد الخارج على سيده ، الكافر نعمته ، أو يغرق في البحر ، فلما غرق ، رفع جبريل إليه خطه. قوله : (وقال له) معطوف على قوله ودس ، وقدره إشارة إلى أن قوله : (آلْآنَ) ظرف لمحذوف ، والجملة مقول لذلك القول المقدر.
قوله : (آلْآنَ) استفهام توبيخ وتقريع. قوله : (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) الجملة الحالية ، والمعنى آلآن تتوب ، وقد ضعيت الإيمان في وقته الذي يقبل فيه ، وهو غير وقت العذاب. قوله : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ) بالتشديد والتخفيف ، قراءتان سبعيتان. قوله : (بِبَدَنِكَ) حال من الضمير في (نُنَجِّيكَ) والمعنى فاليوم نخرجك من البحر ، ملتبسا ببدنك فقط ، لا مع روحك كما هو مطلوب ، وقيل المراد بالبدن الدرع ، لأن له درعا كان يعرف بها ، فلما ألقي على وجه الأرض وعليه درعه عرفوه. قوله : (فيعرفوا عبوديتك) أي ويبطلوا دعوى ألوهيتك ، لأن الإله لا يموت ولا يتغير. قوله : (شكوا في موته) إنما وقع منهم الشك ، لشدة ما حصل في قلوبهم من الرعب منه ، فأمر الله البحر فألقاه على الساحل أحمر قصيرا كأنه ثور ، فرآه بنو إسرائيل فعرفوه ، فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتا أبدا.
قوله : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) هذا امتنان من الله تعالى على بني إسرائيل بنعم عظيمة. قوله : (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أي أنزلناهم منزلا حميدا صالحا وإنما وصف المكان بالصدق لأن عادة العرب إذا مدحت شيئا أضافته إلى الصدق يقولون هذا قدم صدق ورجل صدق. قوله : (وهو الشام ومصر) أي وقيل مصر فقط لأنها التي كانت تحت أيدي فرعون وقومه.
قوله : (فَمَا اخْتَلَفُوا) أي من فعلنا بهم هذا الفعل من بني اسرائيل وذلك أنهم قبل مبعث النبي مؤمنين به غير مختلفين في نبوته لما يجدونه مكتوبا عندهم فلما بعث اختلفوا فيه فآمن بعضهم كعبد الله بن سلام وأضرابه وكفر بعض. قوله : (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي القرآن وذلك أن اليهود كانوا يخبرون بمبعثه وصفته ويفتخرون بذلك على المشكرين فلما بعث اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر. قوله : (فرضا)