عن الإنفاق في الطاعة (نَسُوا اللهَ) تركوا طاعته (فَنَسِيَهُمْ) تركهم من لطفه (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٦٧) (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ) جزاء وعقابا (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم عن رحمته (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٦٨) دائم. أنتم أيها المنافقون (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا) تمتعوا (بِخَلاقِهِمْ) نصيبهم من الدنيا (فَاسْتَمْتَعْتُمْ) أيها المنافقون (بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ) في الباطل والطعن في النبي صلىاللهعليهوسلم (كَالَّذِي خاضُوا) أي كخوضهم (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٦٩) (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ) خبر (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ) قوم هود (وَثَمُودَ) قوم صالح (وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ) قوم شعيب (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) قرى قوم لوط أي أهلها (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات فكذبوهم فأهلكوا (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بأن يعذبهم بغير ذنب (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ
____________________________________
قبضها. قوله : (تركوا) (اللهَ) جواب عما يقال : إن النسيان لا يؤاخذ به الإنسان. فأجاب : بأن المراد به الترك. قوله : (تركهم) جواب عما يقال : إن النسيان مستحيل على الله تعالى. فأجاب بأن المراد به الترك. قوله : (هُمُ الْفاسِقُونَ) أي الكاملون في التمرد والفسق والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقريع.
قوله : (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) يستعمل وعد في الخير والشر ، وإنما يفترقان في المصدر ، فمصدر الأول وعد ، والثاني وعيد. قوله : (وَالْكُفَّارَ) أي المتجاهرين بالكفر ، فهو عطف مغاير. قوله : (خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة. قوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) أي غير النار كالزمهرير ، أو المراد عذاب في الدنيا. قوله : (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الجار والمجرور خبر لمحذوف ، قدره المفسر بقوله أنتم ، وهذا خطاب للمنافقين ، ففيه التفات من الغيبة للخطاب ، والمثلية في الأوصاف المتقدمة ، وهي الأمر بالمنكر ، والنهي عن المعروف ، وقبض اليد ، ونسيان حقوق الله الآتية بقوله : (فَاسْتَمْتَعُوا) إلخ. قوله : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) أي بحظوظهم الفانية ، والتشاغل بها عما يرضي الله تعالى. قوله : (أي كخوضهم) مشى المفسر على أن الذي حرف مصدري ، وهي طريقة ضعيفة لبعض النحاة ، وعليه فيقدر في الكلام مفعول مطلق ، ليكون مشبها بالمصدر المأخوذ من الذي ، والتقدير وخضتم خوضا كخوضهم ، والصحيح أن الذي اسم موصول صفة لموصوف محذوف ، والعائد محذوف تقديره كالخوض الذي خاضوه.
قوله : (أَلَمْ يَأْتِهِمْ) أي المنافقين والاستفهام للتقرير. قوله : (قَوْمِ نُوحٍ) إلخ ، أي وقد أهلكوا بالطوفان ، (وَعادٍ) أهلكوا بالريح العقيم. (وَثَمُودَ) أهلكوا بالرجفة ، (وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ) أهلكوا بسلب النعمة عنهم وبالبعوض ، (وَأَصْحابِ مَدْيَنَ) أهلكوا بالظلة. قوله : (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) أي المنقلبات التي جعل الله عليها سافلها. قوله : (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) معطوف على مقدر قدره المفسر بقوله : (فكذبوهم فأهلكوا). قوله : (بأن يعذبهم بغير ذنب) تفسير للظلم المنفي أي الواقع أن الله لم يعذبهم بغير ذنب ، بل لو فرض أنه عذبهم بغير ذنب لم يكن ظلما ، لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير من غير إذنه ، ولا ملك لأحد معه سبحانه وتعالى ، ولكن تفضل الله بأنه لا يعذب بغير ذنب ، ولا يجوز عليه شرعا أن يعذب في الآخرة عبدا بغير ذنب ، وإن جاز عقلا.