كُلِّهِ) جميع الأديان المخالفة له (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٣٣) ذلك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ) يأخذون (أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) كالرشا في الحكم (وَيَصُدُّونَ) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (وَالَّذِينَ) مبتدأ (يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) أي الكنوز (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي لا يؤدون منها حقه من الزكاة والخير (فَبَشِّرْهُمْ) أخبرهم (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٤) مؤلم (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى) تحرق (بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ
____________________________________
الأديان المخالفة له) أي بنسخه لها. قوله : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) كرر لمزيد التهكم بهم والرد عليهم ، ووصفهم أولا بالكفر ، وثانيا بالإشراك ، إشارة إلى أنهم اتصفوا بكل منهما.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ) إلخ لما بين عقائد الأتباع وصفاتهم ، شرف في بيان صفات الرؤساء والأحبار علماء اليهود ، والرهبان عباد النصارى. وفي قوله : (كَثِيراً) إشارة إلى أن الأقل من الأحبار والرهبان لم يكونوا كذلك ، كعبد الله بن سلام وأضرابه من الأحبار ، والنجاشي وأضرابه من الرهبان. قوله : (يأخذون) أشار بذلك إلى أن المراد بالأكل الأخذ ، فأطلق الخاص وأريد العام ، من باب تسمية الشيء باسم جزئه الأعظم ، لأن معظم المقصود من أخذ الأموال أكلها.
قوله : (بِالْباطِلِ) قيل هو تخفيف الشرائع والتساهل فيها لسفلتهم ، وقيل هو تغيير صفات المصطفى صلىاللهعليهوسلم الكائنة في التوراة والإنجيل ، وقيل ما هو أعم وهو الأحسن ، والباعث لهم على ذلك حب الرياسة وأخذ الأموال. قوله : (كالرشا) بضم الراء وكسرها ، جمع رشوة ، بالضم على الأول ، والكسر على الثاني ، وفي القاموس : الرشوة مثلثة وهي الجعل على الحكم ، وهي حرام ولو على الحكم بالحق ، فما بالك بأخذها على الحكم بالباطل ، أما حبل الاستقاء ، فيقال فيه رشاء بالكسر والمد. قوله : (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يمنعون الناس عن الدخول في دين الإسلام. قوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) الكنز في الأصل جمع المال ودفنه وعدم الإنفاق منه ، واختلف في المراد بالذين يكنزون الذهب والفضة ، فقيل المراد بهم أهل الكتاب ، لأن شأنهم الحرص وكنز المال ، وقال ابن عباس : نزلت في مانعي الزكاة من المسلمين والحقوق الواجبة ، وقال أبو ذر : نزلت في أهل الكتاب والمسلمين ، الذين يمنعون الزكاة والحقوق الواجبة. روي أن أبا ذر اختلف مع معاوية في هذه الآية ، فقال معاوية نزلت في أهل الكتاب ، وقال أبو ذر : نزلت فينا وفيهم ، فكتب معاوية وكان أميرا على الشام إلى عثمان يشكوه ، فكتب عثمان إلى أبي ذر أن أقدم المدينة فقدم ، فازدحم عليه الناس حتى كأنهم لم يروه قبل ذلك ، فأخبر عثمان بذلك ، فقال له : إن شئت تنحيت ، فكنت قريبا منا ، فنزل بالربذة وقال : ولو أمروا علي عبدا حبشيا لسمعت وأطعت. قوله : (أي الكنوز) أي المدلول عليها بقوله : (يَكْنِزُونَ) ودفع بذلك ما يقال : إن المتقدم شيئان ، الذهب والفضة ، فكان مقتضاه تثنية الضمير ، فلم أفرد؟ فأجاب : بأنه عائد على الكنوز المفهومة من السياق.
قوله : (فَبَشِّرْهُمْ) إنما سمي بشارة تهكما بهم ، وإشارة إلى أنه بمنزلة الوعد في عدم تخلفه. قوله : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها) ظرف لقوله : (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) و (يُحْمى) يجوز أن يكون من حميته وأحميته ثلاثيا ورباعيا ، يقال : حميت الحديدة وأحميتها ، أوقدت عليها لتحمى ، والفاعل محذوف تقديره يوم تحمى النار عليها ، أي تتقد على تلك الكنوز ، (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ) إلخ ، فلما حذف الفاعل ، ذهبت علامة