ظالِمِينَ) (٥٤). ونزل في قريظة (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٥) (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ) أن لا يعينوا المشركين (ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) عاهدوا فيها (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (٥٦) الله في غدرهم (فَإِمَّا) فيه ادغام نون إن الشرطية في ما المزيدة (تَثْقَفَنَّهُمْ) تجدنهم (فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ) فرق (بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) من المحاربين بالتنكيل بهم والعقوبة (لَعَلَّهُمْ) أي الذين خلفهم (يَذَّكَّرُونَ) (٥٧) يتعظون بهم (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ) عاهدوك (خِيانَةً) في عهد بأمارة تلوح لك (فَانْبِذْ) اطرح عهدهم (إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) حال أي مستويا أنت وهم في العلم بنقض العهد بأن تعلمهم به لئلا يتهموك بالغدر (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) (٥٨) ونزل فيمن أفلت يوم بدر (وَلا يَحْسَبَنَ) يا محمد (الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) الله أي
____________________________________
قوله : (كانُوا ظالِمِينَ) فيه مراعاة معنى كل ، ولو روعي لفظها لقيل وكل كان ظالما ، وكل صحيح ، وإنما روعي معناها مراعاة للفواصل. قوله : (ونزل في قريظة) أي حين قدم رسول الله المدينة ، وعاهدهم أن لا يحاربوه ولا يعاونوا عليه ، فنقضوا عهده وأعانوا عليه مشركي مكة بالسلاح ثم قالوا نسينا وأخطأنا ، فعاهدهم الثانية ، فنقضوا ايضا ، وتمالؤوا مع الكفار على قتال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الخندق.
قوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) في ذلك إشارة إلى أنهم بمعزل من جنسهم ، وإنما هم من جنس الدواب ومع ذلك هم شر من جميع أفرادها ، قال تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ). قوله : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ) بدل من الموصول قبله ، أو نعت أو عطف بيان. قوله : (لا يعينوا المشركين) أي كفار مكة ، فنقضوا أولا وثانيا. قوله : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ) أي تظفرن بهم. قوله : (فَشَرِّدْ بِهِمْ) الباء سببية ، والكلام على حذف مضاف ، أي سبب عقوبتهم وتنكيلهم. قوله : (مَنْ خَلْفَهُمْ) مفعول لشرد ، والمراد بمن خلفهم كفار مكة ، والمعنى إذا ظفرت بقريظة فعاقبهم ، ليتفرق كفار مكة وغيرهم بمن نقض عهدك ويتعظوا بهم ، فصيرهم عبرة لغيرهم ، حتى لا يكون لهم قوة على محاربتك. قوله : (وَإِمَّا تَخافَنَ) خطاب عام للمسلمين وولاة الأمور ، وإن كان أصل نزولها في قريظة قوله : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) أي أعلمهم بأن لا عهد لهم بعد اليوم فشبه العهد بالشيء الذي يرمى ، وطوى ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه وهو النبذ ، فإثباته تخييل. قوله : (بأن تعلمهم به) أي لم يكن عذرهم ظاهرا طهورا بينا ، وإلا فلا يحتاج للإعلان. والحاصل : أنه إذا ظهرت أمارات نقض العهد ، وجب على الإمام أن ينبذ عهدهم ، ويعلمهم بالحرب قبل الركوب عليهم ، بحيث لا يعد الإمام غادرا لهم ، وإن ظهرت الخيانة ظهورا مقطوعا به ، فلا حاجة إلى نبذ العهد ولا الإعلام ، بل يبادرهم بالقتال. قوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) تعليل للأمر بنبذ العهد. قوله : (ونزل فيمن أفلت) أي في الكفار الذين خلصوا وهربوا ، وهذا تسلية لرسول الله وأصحابه ، حيث حزنوا على نجاة من نجا من الكفار ، وكان غرضهم استئصالهم بالقتل والأسر.
قوله : (وَلا يَحْسَبَنَ) الخطاب لرسول الله ، والمعنى لا تظن يا محمد الذين كفروا فائتين الله وفارين من عقابه ، إنهم لا يعجزونه ، وهذا وإن كان في أهل بدر ، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وحسب تتعدى للمفعولين : الأول (الَّذِينَ كَفَرُوا) ، والثاني : جملة سبقوا ، وهذا على قراءة التاء