الْمُتَّقِينَ) (٣٦) بالعون والنصر (إِنَّمَا النَّسِيءُ) أي التأخير لحرمة شهر إلى آخر كما كانت الجاهلية تفعله من تأخير حرمة المحرم إذا هل وهم في القتال إلى صفر (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) لكفرهم بحكم الله فيه (يُضَلُ) بضم الياء وفتحها (بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ) أي النسيء (عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا) يوافقوا بتحليل شهر وتحريم آخر بدله (عِدَّةَ) عدد (ما حَرَّمَ اللهُ) من الأشهر فلا
____________________________________
يتصرف فيه بغير الحال. قوله : (بالعون والنصر) أي فمعيته مع المتقين زائدة على معيته مع الخلق أجمعين ، المشار إليها بقوله تعالى : (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) لأنها معية تصريف وتدبير ، وذلك لا يختص بالإنسان ، بل مع كل مخلوق حيوانا وجمادا.
قوله : (إِنَّمَا النَّسِيءُ) فعيل بمعنى مفعول ، والمراد به تأخيرهم حرمة المحرم إلى صفر ، كما في المختار ، وهذه قراءة الجمهور بهمزة بعد الياء ، وفي قراءة سبعية بإبدال الهمزة ياء ، أو إدغام الياء فيها ، وقرىء شذوذا ، بسكون السين وبفتح النون وبضم السين بوزن فعول. قوله : (كما كانت الجاهلية تفعله) أي لأن الجاهلية كانت تعتقد حرمة الأشهر الحرام وتعظيمها ، وكانت معائشهم من الغزو ، وكان يشق عليهم الكف عن ذلك ثلاثة أشهر متوالية ، فأخروا تحريم شهر إلى شهر آخر ، فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر ، فإذا احتاجوا إلى القتال ، أخروا التحريم إلى ربيع الأول ، وهكذا ، حتى استدار التحريم على السنة كلها ، وكانوا يحجون في كل شهر عامين ، فحجوا في ذي الحجة عامين ، والمحرم كذلك ، وهكذا باقي الشهور ، فوافقت حجة أبي بكر في السنة التاسعة ذا القعدة ، ثم حج رسول الله صلىاللهعليهوسلم حجة الوداع ، فوافقت شهر الحج المشروع ، وهو ذو الحجة ، فوقف بعرفة في اليوم التاسع ، وخطب الناس في اليوم العاشر بمنى حيث قال : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر ، الذين بين جمادى وشعبان ، أي شهر هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس ذا الحجة؟ قلنا : بلى ، قال : أي بلد هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليست البلدة؟ قلنا : بلى. قال : فأي يوم هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس يوم النحر؟ قلنا : بلى ، قال : فإن دماؤكم وأموالكم ـ قال محمد وأحسبه قال : وأعراضكم ـ عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم بعضا ، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ، ثم قال : ألا هل بلغت؟ مرتين. قوله : (إذا هل) بالبناء للفاعل وللمفعول ، ويقال استهل وهل : إذا رفع الصوت عند ذكره ، وبذلك سمي الهلال. قوله : (بضم الياء) أي مع فتح الضاد مبنيا للمفعول في السبعة ، ومع كسر الضاد مبنيا للفاعل في العشرة. قوله : (وفتحها) أي مع كسر الضاد لا غير ، وهي سبعية أيضا ، فتكون القراءات ثلاثا : واحدة عشرية ، واثنتان سبعيتان. قوله : (أي النسيء) المراد به هنا اسم المفعول أي المنسوء أي المؤخر ، وهو تحريم بعض الشهور.
قوله : (يُحِلُّونَهُ عاماً) فيه وجهان : أحدهما : أن الجملة تفسيرية للضلال ، الثاني : أنها حالية. قوله : (لِيُواطِؤُا) تنازعه كل من يحلونه ويحرمونه ، فيجوز الثاني أو الأول. قوله : (إلى أعيانها) أي الأربعة التي اشتهر تحريمها ، لأنهم لو التزموا أعيانها لم يضلوا. قوله : (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) بالبناء