لغيره من الأديان وهو دين الإسلام (مِنَ) بيان للذين (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي اليهود والنصارى (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) الخراج المضروب عليهم كل عام (عَنْ يَدٍ) حال أي منقادين أو بأيديهم لا يوكلون بها (وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩) أذلاء منقادون لحكم الإسلام (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ) عيسى (ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) لا مستند لهم عليه
____________________________________
قوله : (دِينَ الْحَقِ) من إضافة الموصوف لصفته. قوله : (الناسخ لغيره) أي الماحي له ، فمن اتبع غير الإسلام فهو كافر ، قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) وقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، ويصح أن يراد بالحق الله سبحانه وتعالى ، لأن من أسمائه الحق ، والمراد بدين الله الإسلام.
قوله : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) غاية لقتالهم ، وسميت جزية لأنها جزاء لكف القتال عنهم وتأمينهم. قوله : (الخراج المضروب عليهم) أي الذي يجعله الإمام على ذكورهم الأحرار البالغين الموسرين. قوله : (أي منقادين) تفسير باللازم ، أي فاليد كناية عن الانقياد. قوله : (لا يوكلون بها) أي فاليد على حقيقتها ، وهذا التفسير يناسب مذهب مالك ، لأن عنده لا يجوز التوكيل في دفعها ، بل كل واحد يدفع جزيته بيده وحين دفعها يبسط الكافر يده بها ، ويأخذها المسلم من يده ، لتكون يد المسلم هي العليا ، ثم بعد أخذها يصفعه المسلم على قفاه ، وعند الشافعي يجوز التوكيل في دفعها.
قوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ) إلخ ، هذا من تفصيل عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر ، و (عُزَيْرٌ) بالصرف وعدمه قراءتان سبعيتان ، فالصرف على أنه عربي فلم توجد فيه إلا علة واحدة ، وعدمه على أنه أعجمي ففيه العلتان و (ابْنُ) خبر عزير فيرسم بالألف لأنه ليس بصفة للعلم ، وسبب تلك المقالة على ما قاله ابن عباس ، أن عزيرا كان فيهم ، وكانت التوراة عندهم ، والتابوت فيهم ، فأضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق ، فرفع الله عنهم التابوت ، وأنساهم التوراة ، ومسحها من صدورهم ، فدعا الله عزير وابتهل إليه أن يرد إليه التوراة ، فبينما هو يصلي مبتهلا إلى الله نزل نور من السماء فدخل جوفه فعادت إليه ، فأذن في قومه وقال : يا قوم ، قد آتاني الله التوراة وردها علي ، فعلقوا به يعلمهم ، ثم مكثوا ما شاء الله ، ثم إن التابوت نزل بعد ذهابه منهم ، فلما رأوا التابوت ، عرضوا ما كان يعلمهم عزير على ما في التابوت فوجدوه مثله ، فقالوا : ما أوتي عزير هذا ، إلا لأنه ابن الله.
قوله : (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) المسيح لقب له ، إما لأنه ما مسح على ذي عاهة إلا برىء ، أو لأنه ممسوح بالبركة ، وسبب مقالتهم ، أنهم كانوا على الدين الحق ، بعد رفع عيسى عليهالسلام إحدى وثمانين سنة ، يصلون إلى القبلة ويصومون ، حتى وقع بينهم وبين اليهود حرب ، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولص ، قتل جماعة من أصحاب عيسى عليهالسلام ، ثم قال بولص لليهود : إن كان الحق مع عيسى ، فقد كفرنا والنار مصيرنا ، فنحن مغبونون إن دخلنا النار ودخلوا الجنة ، فإني سأحتال وأضلهم حتى يدخلوا النار معنا ، ثم إنه عمد إلى فرس كان يقاتل عليه ، فعرقبه وأظهر الندامة والتوبة ووضع التراب على رأسه ، ثم إنه أتى إلى النصارى فقالوا له : من أنت؟ قال : أنا عدوكم بولص ، قد نوديت من السماء ، أنه ليست لك توبة حتى تتنصر ، وقد تبت وأتيتكم ، فأدخلوه الكنيسة ونصروه ، ودخل