فقلت : كيف أصنع؟ قال : « صلّوا جماعة ، يعني صلاة الجمعة » (١).
دلّتا على ترك زرارة وعبد الملك لها ، ومثلهما لا يتركان الفريضة الكذائية لو لا لها شرط لم يتمكّنا منه ، سيّما مع قراءتهما سورة الجمعة ، ورواية زرارة أكثر أخبار وجوبها. ولا يمكن أن يكون تركهما للتقيّة ؛ لأنّها إن أمكن لهما بدونها فلا معنى للتقيّة ، وإلاّ فلا معنى للحثّ على ترك التقيّة.
مع أنّ في قول زرارة : حتى ظننت أنّه يريد أن نأتيه ، دلالة واضحة على المطلوب ، إذ لو لا أنّها منصبه لما كان لذلك الظنّ وقوله : « نغدو عليك » وجه ، بل كان المناسب أن يقول : حتّى ظننت أنّه يجوز فعلها عقيب الفاسق أيضا.
وأظهر منه قول عبد الملك : فكيف أصنع ، حيث تحيّر واضطرب ، ولو لا اشتراط إذن الإمام لم يكن لذلك وجه. وظاهر أنّه لم يكن مراده كيف أصنع مع وجود التقيّة ، إذ لم يكن جوابه حينئذ « صلّوا جماعة ».
وحسنة محمّد وزرارة : « تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين » (٢).
ونحوها حسنة محمّد ، وزاد فيها : « فإن زاد على ذلك فليس عليه شيء » (٣).
وغيرهما ممّا دلّ على أنّها لا تجب على من كان بينه وبينها أزيد من فرسخين ؛ فإنّه لو لا كون الجمعة منصب شخص معيّن لم يكن لها موضع معيّن ، ولم يكن لنفي وجوبها عمّن بعد عنها بالزائد عن الفرسخين على الإطلاق وجه.
وأيضا : من الأمور البديهيّة وقوع الاختلاف بين الفقهاء في نفس العدالة ، وموجباتها ، ونواقضها ، والكبائر ، وأصالة الفسق والعدالة ، بحيث لا يكاد يتحقّق فقيهان متفقان في جميع ذلك. ولا شكّ أنّ الفاقد للمرتبة العليا فاسق عند المشترط
__________________
(١) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ـ ٦٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ـ ١٦١٦ ، الوسائل ٧ : ٣١٠ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٥ ح ٢.
(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ الصلاة ب ٧٣ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ـ ٦٤٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ـ ١٦٢٠ ، الوسائل ٧ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٤ ح ٥.
(٣) الكافي ٣ : ٤١٩ الصلاة ب ٧٣ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ـ ٦٤١ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ـ ١٦١٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٤ ح ٦.