الإجماع المركّب.
هذا مع احتمال حملهما على معنى آخر ، بأن يكون السؤال في ذيل الخامسة عن جواز تقديم دفن من ذكر على الصلاة اختيارا ، فيكون المراد أنّه هل يجوز أن يدفن أوّلا ذلك الشخص ، ثمَّ يصلّى عليه؟ فيكون المنع متعلّقا به ، ولا يثبت المنع عن الصلاة لو دفن أوّلا اضطرارا ، بل ولا اختيارا. ويجري ذلك المعنى في مرسلة أخرى لابن أسلم لا تتضمّن الصدر المذكور أيضا (١) ، إذ الظاهر اتّحاد الروايتين.
ويكون قوله : « بعد ما يدفن » في الصحيحة خبرا للصلاة ، ويكون قوله : « إنّما هو » علّة له ، يعنى : إنّ الصلاة تكون بعد الدفن ، لأنّ صلاة الميّت دعاء ، يجوز في كلّ وقت ، وصلاة النبي أيضا لم تكن إلاّ هذه الصلاة دون الصلاة الحقيقيّة.
والإيراد بأنّ اختصاص الصلاة بما بعد الدفن ممّا لم يقل به أحد ، مشترك ، إذ اختصاص ما بعد الدفن بالدعاء الخالي عن التكبير ، وعدم جواز غيره أيضا كذلك ، والتأويل يجري على المعنيين.
ومنه يظهر وجه ما ذكرنا من سلامة العمومات المذكورة عن المعارض ، مع أنّه لو سلّمت المعارضة ، فتكون بالعموم من وجه ، فلو لا ترجيح العمومات بما ذكرنا في مورد التعارض وهو : من لم يصلّ عليه حتى يدفن ، لوجب الرجوع إلى الاستصحاب ، ومقتضاه أيضا وجوب الصلاة على من لم يصلّ عليه ، وتخصيص الروايتين وما بمعناهما ـ لو كان ـ بمن صلّي عليه.
مع أنّهما فيه أيضا معارضتان بما مرّ ، والترجيح له كما عرفت. بل لو لا الترجيح أيضا لكان المرجع استصحاب الجواز ، وإن كان مع الكراهة كما مرّ. فالحقّ الجواز له أيضا مطلقا ، كما عن علي بن بابويه والعماني (٢). وقرّبه الشهيد في
__________________
(١) التهذيب ٣ : ٢٠١ ـ ٤٧١ ، الاستبصار ١ : ٤٨٣ ـ ١٨٧١ ، الوسائل ٣ : ١٠٦ أبواب صلاة ب ١٨ ح ٨.
(٢) حكاه عن علي بن بابويه في الذخيرة : ٣٣٣ ، وعن العماني في المختلف : ١٢٠.