سارع إلى ذلك ، بكل رضى نفس ، وطيبة خاطر .. وليكون بذلك قد كفر عن جريمته النكراء ، والتي كانت أحد أسباب زعزعة ثقة الناس به ، ألا وهي : قتله أخاه الأمين ، العزيز على العباسيين والعرب ..
وليكون بذلك ، قد ربط الامة بالخلافة ، وكسب ثقتها فيها ، وشد قلوب الناس ، وأنظارهم إليها ؛ حيث أصبح باستطاعتهم أن ينتظروا منها أن تقيم العدل ، وترفع الظلم ، وأن تكون معهم ، وفي خدمتهم ، وتعيش قضاياهم. وليكون لها من ثم من المكانة والتقدير ، ما يجعلها في منأى ومأمن من كل من يتحينون بها الفرص ، ويبغون لها الغوائل ..
ويدل على ذلك ـ عدا عما ورد في وثيقة العهد ـ ما ورد من أن المأمون كتب إلى عبد الجبار بن سعد المساحقي ، عامله على المدينة : أن اخطب الناس ، وادعهم إلى بيعة الرضا ؛ فقام خطيبا ؛ فقال :
« يا أيها الناس ، هذا الأمر الذي كنتم فيه ترغبون ، والعدل الذي كنتم تنتظرون ، والخير الذي كنتم ترجون ، هذا علي بن موسى ، بن جعفر ، بن محمد ، بن علي ؛ بن الحسين ؛ بن علي بن أبي طالب :
ستة آباؤهم ما
هم |
|
من أفضل من يشرب
صوب الغمام (١) |
وقد أكد ذلك بحسن اختياره ؛ إذ قد اختار هذه الشخصية ، التي تمثل ـ في الحقيقة ـ أمل الامة ، ورجاءها ، في حاضرها ، ومستقبلها.
وتكون النتيجة ـ بعد ذلك ـ أنه يكون قد حصل على حماية لكل تصرف يقدم عليه في المستقبل ، وكل عمل يقوم به .. مهما كان غريبا ، ومهما كان غير معقول ؛ فإن على الامة أن تعتبره صحيحا وسليما ،
__________________
(١) العقد الفريد ج ٣ / ٣٩٢ ، طبع مصطفى محمد بمصر سنة ١٩٣٥ و « ما » في البيت زائدة .. ولا يخفى ما في البيت ، وقد أثبتناه ، كما وجدناه.