لا بد منه ، ولا غنى عنه ، وإن لم تعرف ظروفه ، ودوافعه الحقيقية. بل وحتى مع علمها بها ؛ فان عليها أن تؤوّل ما يقبل التأويل ، وإلا .. فإن عليها أن تدفن رأسها في التراب ، وتتناسى ما تعلم .. أو أن تعتبر نفسها قاصرة عن إدراك المصالح الحقيقية الكامنة في تلك التصرفات الغريبة ، وأن ما أدركته ولو كان حقا ـ لا واقع له ، ولا حقيقة وراءه ويدل على ذلك بشكل واضح ابيات ابن المعتز الآتية ص ٣٠٥ / ٣٠٦ ، يقول ابن المعتز :
وأعطاكم المأمون
حق خلافة |
|
لنا حقها لكنه
جاد بالدنيا |
ليعلمكم أن
الّتي قد حرصتموا |
|
عليها وغودرتم
على اثرها صرعى |
يسير عليه فقدها
غير مكثر |
|
كما ينبغي
للصالحين ذوى التقوى |
وعلى كل حال ؛ فإنه يتفرع على ما ذكرناه :
أولا : إنه بعد أن أقدم على ما أقدم عليه ؛ فليس من المنطقي بعد للعرب أن يسخطوا عليه ، بسبب معاملة أبيه ، أو أخيه ، وسائر أسلافه لهم ؛ فإن المرء بما كسب هو ، لا بما كسب أهله ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ..
وكيف يجوز لهم أن يغضبوا بعد ، وهو قد أرجع الخلافة إليهم ، بل وإلى أعرق بيت فيهم. وعرفهم عملا : أنه لا يريد لهم ، ولغيرهم ، إلا الصلاح والخير ..
وليس لهم بعد حق في أن ينقموا عليه معاملته القاسية لهم ، ولا قتله أخاه ، ولا أن يزعجهم ، ويخيفهم تقريبه للايرانيين ، ولا جعله مقر حكمه مروا إلى آخر ما هنالك .. ما دام أن الخلافة قد عادت إليهم ، على حسب ما يشتهون ، وعلى وفق ما يريدون ..
ومن هنا .. فلا يجب أن نعجب كثيرا ؛ حين نراهم : قد تلقوا بيعة الرضا بنفوس طيبة ، وقلوب رضية .. حتى أهل بغداد نرى أنهم قد تقبلوها إلى حد كبير ؛ فقد نص المؤرخون ـ ومنهم الطبري وابن مسكويه ـ على أن بعضهم وافق ، والبعض الآخر ـ وهم أنصار بني