__________________
وفي العقد الفريد ج ٢ / ١٢٠ طبع دار الكتاب العربي : أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب قالت لمعاوية : « .. ونبينا (ص) هو المنصور ؛ فوليتم علينا من بعده ، تحتجون بقرابتكم من رسول الله (ص) ، ونحن أقرب إليه منكم ، وأولى بهذا الأمر الخ .. ».
ثم جاء العباسيون ، وادعوا نفس هذه الدعوى ، كما هو واضح من النصوص التي ذكرناها ، ونذكرها .. بل لقد ادعى نفس هذه الدعوى أيضا أكثر إن لم يكن كل من خرج مطالبا بالخلافة ، سواء كان خروجه على الامويين أو على العباسيين ..
وهذا يعني أن العامل النسبي قد لعب دورا هاما في الخلافة الاسلامية ، وكان الناس بسبب جهلهم ، وعدم وعيهم لمضامين الاسلام يصدقون ويسلمون بأن القربى النسبية تكفي وحدها في أن تجعل لمدعيها الحق في منصب الخلافة. ولعل أكثر ما ورد في القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة من الوصايا بأهل البيت عليهمالسلام ، والأمر بمودتهم ، ومحبتهم ، والتمسك بهم جعل الناس يظنون أن سبب ذلك هو مجرد قرباهم النسبية منه (ص) .. وكان أن استغل الطامحون فهم الناس الخاطئ هذا .. بل لقد حاولوا ما أمكنهم تكريسه ، وتثبيته ..
إلا أن حقيقة الأمر هي غير ذلك ؛ فان منصب الخلافة في الاسلام ، لا يدور مدار القربى النسبية منه. بل هو يدور مدار الأهلية والجدارة ، والاستعداد الذاتي لقيادة الامة قيادة صالحة ، كما كان النبي (ص) يقودها ، يدلك على ذلك أننا لو رجعنا إلى النصوص القرآنية ، وإلى ما ورد عن النبي (ص) بشأن الخليفة بعده ، فلعلنا لا نعثر على نص واحد منها يفهم منه أن استحقاق الخلافة يدور مدار القربى النسبية منه (ص) ، وحسب.
وكل ما ورد في القرآن ، وعنه (ص) من الأمر بموالاة أهل بيته ، وحبهم ، والتمسك بهم ، ومن تعيينه خلفاءه منهم ، فليس لأجل قرباهم النسبية منه (ص). بل لأن الأهلية ، والجدارة الحقيقية لهذا المنصب قد انحصرت في الخارج فيهم. فهو على حد تعبير الاصوليين : من باب الاشارة إلى الموضوع الخارجي .. وليس تصريحه (ص) بالقربى لأجل بيان الميزان والمقياس والملاك في استحقاقهم الخلافة.
وواضح أنه كان لا بد من الالتجاء إلى الله ورسوله لتعيين الشخص الذي له الجدارة والأهلية لقيادة الامة ؛ لأن الناس قاصرون عن إدراك حقائق الامور ، ونفسيات ، وغرائز ، وملكات بعضهم البعض .. إدراكا دقيقا وحقيقيا ، وعن إدراك عدم طرو تغير أو تبدل عليه في المستقبل .. ونقد عينه (ص) بالفعل ، ودل عليه بمختلف الدلالات ،