__________________
وليس هو من قريش ، وانما هو كندي من اليمن ؛ وقد اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش ، واحتج عليهم الصديق بالحديث في ذلك ، حتى أن الانصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين ، فأبى الصديق عليهم ذلك .. ثم مع هذا كله ضرب سعد بن عبادة ، الذي دعا إلى ذلك أولا ، ثم رجع عنه » .. انتهى .. راجع البداية والنهاية ج ٩ ص ٥٤.
فتراه يستشكل في عمل من بايعوا محمد بن الاشعث بامرة المؤمنين ، التي رآها مخالفة للاجماع المدعى يوم السقيفة .. وتراه يعترف بمخالفة سعد ثم يدعي أنه رجع عن ذلك .. ولست أدري كيف رجع عنه ، مع أنه من المتسالم عليه تاريخيا : أنه استمر على الخلاف معهم ، حتى اغتيل بالشام ـ اغتالته السياسة ، على حد تعبير طه حسين في كتابه : من تاريخ الأدب العربي ج ١ ص ١٤٦ ، وغيره .. وذلك أشهر من أن يحتاج إلى بيان.
وعلى كل حال .. فان ما يهمنا هو الاشارة إلى أن كون الأئمة من قريش ليس فقط أصبح تقليدا متبعا ، بل قد أصبح من عقائد أهل السنة المعترف بها ..
ولكن ما تأتي به السياسة ، تذهب به السياسة ؛ إذ بعد تسعمائة سنة جاء السلطان سليم ، وخلع الخليفة العباسي ، وتسمى هو ب : « أمير المؤمنين » ، مع أنه لم يكن من قريش.
وبهذا يكون قد الغى هذا التقليد عملا من عقائد طائفة من المسلمين ، وأبطله .. ومهما يكن من أمر فان أول من ادعى استحقاق الخلافة بالقربى النسبية من رسول الله (ص) كان أبو بكر ، ثم عمر ، وجاء بعدهما بنو أميّة ؛ فعرفوا أنفسهم بأنهم ذوي قربى النبي (ص) حتى لقد حلف عشرة من قواد أهل الشام ، وأصحاب النعم والرئاسة فيها ـ حلفوا ـ للسفاح : على أنهم لم يكونوا يعرفون إلى أن قتل مروان ، أقرباء للنبي (ص) ، ولا أهل بيت يرثونه غير بني أميّة .. فراجع النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٢٨ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ / ١٥٩ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٣٣ وفتوح ابن أعثم ج ٨ ص ٩٥ بل لقد ذكر المسعودي والمقريزي : أن إبراهيم بن المهاجر البجلي ، الموالي للعباسيين قد نظم قضية هؤلاء الامراء شعرا ، فقال :
أيها الناس اسمعوا أخبركم |
|
عجبا زاد على كل العجب |
عجبا من عبد شمس إنهم |
|
فتحوا للناس أبواب الكذب |
ورثوا أحمد فيما زعموا |
|
دون عباس بن عبد المطلب |
كذبوا والله ما فعلمه |
|
يحرز الميراث إلا من قرب |
ويقول الكميت عن دعوى بني أميّة هذه :
وقالوا : ورثناها أبانا وامنا |
|
ولا ورثتهم ذاك أم ولا أب |