وعند ما ذهب داود بن علي إلى مكة ، واليا عليها ، من قبل أخيه السفاح ، وأراد أن يخطب في مكة خطبته الأولى ، طلب منه سديف بن ميمون أن يأذن له في الكلام ؛ فأذن له ؛ فوقف ؛ وقال من جملة ما قال :
« .. أتزعم الضلال : أن غير آل الرسول أولى بتراثه؟! ولم؟! وبم؟! معاشر الناس؟! ألهم الفضل بالصحابة ، دون ذوي القرابة؟ الشركاء في النسب ، والورثة للسلب .. » (١).
ويقول داود بن علي في نفس المناسبة ، أعني في أول خطبة له : « لم يقم فيكم إمام بعد رسول الله (ص) ، إلا علي بن أبي طالب ، وهذا القائم فيكم .. » وأشار إلى السفاح (٢).
__________________
« رمتني بدائها وانسلت ».
وأخيرا .. فلقد كان من أبسط نتائج هذه العقيدة لدى أهل السنة ، وقبولهم أن القربى النسبية تجعل لمدعيها الحق في الخلافة .. أن سنحت الفرصة لأن يصل أشخاص إلى الحكم من أبرز مميزاتهم ، وخصائصهم جهلهم بتعاليم الدين ، وانسياقهم وراء شهواتهم ، أينما كانت ، وحيثما وجدت ، جاعلين الحكم والسلطان وسيلة إليها ، مسدلين على حماقاتهم هنا ، وتفاهاتهم هناك ستارا من القربى النسبية منه (ص) .. وهو من هؤلاء وأمثالهم بريء ..
ولما لم يعد ذلك الستار يقوى على المنع من استكناه واقعهم ، وحقيقة نواياهم وتصرفاتهم ، كان لا بد لهم من الالتجاء إلى أساليب اخرى ، تبرر لهم واقعهم ، وتحمي تصرفاتهم ، وتؤمن لهم الاستمرار في الحكم ،. ولعل بيعة المأمون للامام الرضا عليهالسلام بولاية العهد هي من تلك الأساليب ، كما سيتضح إن شاء الله تعالى ..
(١) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٨٩ ، والعقد الفريد ، طبع دار الكتاب ج ٤ ص ٤٨٥
(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٣٧ و ٢٥٦ ، والطبري ج ١٠ ص ٣٣ و ٣٧ ، وعيون الأخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٥٢ ، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٨٧ ، ٨٨ ، والكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٢٦ ، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٢٩ و ١٧٣ ، وامبراطورية العرب ص ٤٢٢ ، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٤٢ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٥٥ ، وفيه : « إنه لم يخطب على منبركم هذا خليفة حق إلخ » .. وبرواية اخرى فيه : « اقسم بالله قسما برا ، ما قام هذا المقام أحد بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أحق به من علي بن أبي طالب ، وأمير المؤمنين هذا » ..