ويمكن الخدشة في دلالة المرسلة ، فإنّ النهي الوارد فيها إرشادي مسوق لبيان اختصاص المنع المتوهّم في المقام ـ كراهة
كان أو تحريما ـ بالكتاب دون الورق ، فلا يستفاد منه الحرمة.
ثمّ لا يخفى عليك أنّ المتبادر من كتابة القرآن ـ التي ورد النهي عن مسّها ـ مطلق النقوش المرسومة للإفصاح عمّا كلّم الله تعالى به نبيّه صلىاللهعليهوآله ممّا بين الدفّتين من دون فرق بين ما يفصح عن موادّ الكلمة أو هيئاتها ، كالأعراب والشدّة والمدّ.
وكون هذه الأمور حادثة وعدم كونها مرسومة في الصحف القديمة وعدم اعتبارها فيما يتقوّم به اسم القرآن لا يجدي في إباحة مسّها ، لأنّها جزء من القرآن ما دام وجودها بشهادة العرف ، ولا يضرّ بقاء الاسم بعد فقدها وعدم مدخليّتها في قوام المسمّى ، إذ ليس هذه الأمور إلّا كعوارض الأشخاص ممّا هو جزء للشخص ما دام وجودها.
ألا ترى أنّك تسمّي ابنك زيدا في حال صغره وهو مصداق لهذا الاسم إلى أن يموت ، وكلّ ما يعرضه من العوارض مثل اللحية والسنّ والظفر وغيرها أجزاء له حقيقة ما دام اتّصالها به ، ولا ينتفي عنه اسمه بانتفاء شيء منها.
وبما ذكرنا ظهر لك أنّه لا فرق بين أن يكون المصحف مكتوبا بالخطوط المتعارفة في زمان نزوله ، أو بالخطوط الحادثة في الأعصار المتأخّرة ، لأنّ المسمّى مطلق الماهيّة باعتبار وجوداتها لا الماهيّة المقيّدة ببعض اعتباراتها.