ولو ارتدّ عن فطرة ، فإن بنينا على قبول توبته ولو باطنا وكونه مكلّفا بأحكام المسلمين فيما بينه وبين الله تعالى ، فحكمه ما عرفت.
وإن قلنا بعدم قبول توبته لا ظاهرا ولا باطنا ، فلا مجال للبحث عن انتقاض غسله ووضوئه ، لخروجه من زمرة المكلّفين بالعبادات التي تتوقّف صحّتها على الإسلام حيث امتنع منه ، فلا يصحّ تكليفه بها ، لأنّ القدرة على الامتثال شرط في صحّة التكليف.
فالقول من أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع في حال كفرهم إنّما هو فيما أمكنهم الخروج من عهدتها لا في مثل الفرض الذي تعذّر صدورها منه.
وكونها مقدورة له قبل ارتداده لا يصحّح بقاء التكليف بعد أن ارتدّ وتعذّر منه صدور الفعل ، لأنّ قبح تكليف العاجز لا يقبل التخصيص.
نعم ، قدرته السابقة تصحّح تكليفه في زمان القدرة بإيجاد العبادات المشروطة بالإسلام في أوقاتها ، وتحسّن عقابه على ما يصدر منه من مخالفتها في زمان ارتداده ، لا أنّها تصحّح بقاء الطلب وجواز التكليف بعد أن تعذّر.
وما شاع في الألسن من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار حتى تشبّث به بعض (١) لإثبات تكليف العاجز فيما نحن فيه ونظائره ، ففيه : أنّه إن أريد منه عدم منافاة الامتناع المسبّب عن اختيار المكلّف للاختيار الفعلي الذي هو شرط لجواز التكليف وحسن الطلب عقلا ، فهو مناقضة
__________________
(١) لعلّه أبو هاشم الجبائي ، انظر : البرهان في أصول الفقه ١ : ٢٠٨ ، والمنخول : ١٢٩.