اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ الغسل أيضا كالتكلّم بنظر العرف ، فإنّ من يغسل ثوبه بالماء لا يعدّ بنظر العرف جريات الماء على ثوبه غسلات متعدّدة ، بل إنّما يعدّ مجموع ما يصدر منه من أوّل زمان اشتغاله بغسل ثوبه إلى أن يفرغ عن الغسل غسلة واحدة ، ومقتضى هذه الدعوى : مشروعيّة الغسلة الثالثة وما زاد ما لم يتحقّق الإعراض بقصد الجزئيّة لو لا النهي عنها.
ولكن يبعّدها : وصف الغسلة الثالثة في بعض الأخبار بكونها بدعة ، فتأمّل.
وممّا يتوهّم معارضتها للأخبار المتقدّمة : رواية السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «من تعدّى في الوضوء كان كناقضه» (١).
ورواية إبراهيم بن معرض ، قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : إنّ أهل الكوفة يروون عن عليّ عليهالسلام أنّه بال حتى رغا (٢) ثمّ توضّأ ثمّ مسح على نعليه ، ثمّ قال : «هذا وضوء من لم يحدث» فقال عليهالسلام : «نعم ، قد فعل ذلك» قال : قلت : فأيّ حدث أحدث من البول؟ فقال عليهالسلام : «إنّما يعني بذلك التعدّي في الوضوء ، أن يزيد على حدّ الوضوء» (٣).
وفيه : أنّ الأخبار الدالّة على استحباب الغسلة الثانية واردة على مثل هذه الروايات حيث إنّها تدلّ على أنّ الغسلة الثانية من الحدود المستحبّة ، كالمضمضة والاستنشاق.
__________________
(١) علل الشرائع : ٢٧٩ ـ ٢ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢٤.
(٢) رغا : أي صارت له رغوة وأزيد. لسان العرب ١٤ : ٣٣ «رغا».
(٣) معاني الأخبار : ٢٤٨ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢٥.