أُموراً ظهرت وأحوالاً تغيرت وفشا إيقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل ألزمهم الثلاث في صورة التكرير ، إذ صار الغالب عليهم قصدها ، وقد أشار إليه بقوله : «إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة».
ثمّ إنّ الشوكاني ردّه ـ بعد نقله ـ حيث قال : وقد ارتضى هذا الجواب القرطبي ، وقال النووي : إنّه أصحّ الأجوبة ، ولا يخفى انّ ما جاء بلفظ يحتمل التأكيد وادعى انّه نواه يُصدَّق في دعواه ولو في آخر الدهر فكيف بزمن خير القرون ومن يليهم؟!
وإن جاء بلفظ لا يحتمل التأكيد لم يصدق إذا ادّعى التأكيد من غير فرق بين عصر وعصر. (١)
أقول : إنّ هذا التبرير ـ بالإضافة إلى ما ذكره الشوكاني ـ من قبيل دفع الفاسد بالأفسد ، وقد زاد في الطين بلّة ، حيث إنّ المجيب حاول أن يبرر عمل الخليفة ويبرّئه من الخطأ ولو على حساب كرامة قسم من الصحابة والتابعين ، حيث إنّ كثيراً منهم كان يرجع إلى الخليفة ، فكيف يرميهم بالكذب والخداع؟!
وفي الختام نأتي بكلمة قيمة للشوكاني ، فانّه بعد ما ذكر أدلّة القائلين بوقوع الطلاق ثلاثاً ، وتأويل رواية ابن عباس ، وتبرير عمل الخليفة ، قال : فإن كانت تلك المماشاة لأجل مذاهب الأسلاف فهي أحقر وأقل من أن تُؤثَر على السنّة المطهرة ، وإن كانت لأجل عمر بن الخطاب فأين يقع المسكين من رسول الله ، فأيّ مسلم من المسلمين يستحسن عقله وعلمه ترجيح قول صحابي على قول المصطفى؟! (٢)
__________________
(١) نيل الأوطار : ٦ / ٢٣٣.
(٢) نيل الأوطار : ٦ / ٢٣٤.