وإذا كان الانصاف يدعو إلى تبرير موقف ضحايا القمع والاستبداد بالالتجاء إلى حمى التقية لضمان السلامة والتوقّي من الشر المستطير ... وإذا كان الضمير الحي يدعو إلى مواساة هؤلاء المظلومين الذين تُحصى عليهم أنفاسهم ويعانون أفانين الضغط والإكراه ، وأشكال التضييق والمحاربة ، فإنّ شيئاً من هذا ولا ذاك لم يحصل ، بل حصل العكس ، إذ عمد الكثير من أهل السنّة والجماعة ـ ومع الأسف ـ إلى الإغضاء عن الجزّارين أو معاضدتهم ، وإلى التنديد بالضحايا والتشهير بهم!!
وأخيراً ، نحن نعتقد أنّ العمل بالتقية أمر لا مفرّ منه ، وأنّ مجانبتها تماماً وفي كلّ الأحوال والعصور أمر لا واقع ولا حقيقة له. وأنت إذا رميت ببصرك إلى بعض الشعوب التي تحكمها أنظمة قمعية استبدادية ، لوجدت أنّها ـ وفيها من هم من أهل السنّة ـ تتجنّب الإعلان عن آرائها وأهدافها جهرةً ، وتسكت عمّا يُمارس بين ظهرانيها من أعمال منافية للإسلام ، وما ذلك إلاّ خوفاً من البطش والقتل والأذى الذي سيصيبها لو أنّها نطقت بما يخالف إرادة المستبدين.
وهذه الرسالة المتواضعة ، ستميط الستر عن وجه الحقيقة وتثبت ، انّ التقية ثمرة البيئة التي صودرت فيها الحريات ، ولو كان هناك لومٌ وانتقاد ، فالأجدر أن نتوجه بهما إلى من حمل المستضعفين على التقية ، لا إليهم أنفسهم.
وستتضح للقارئ في غضون هذه الرسالة ، انّ التقيّة من المفاهيم القرآنية التي وردت في أكثر من موضع في القرآن الكريم ، وفي تلك الآيات إشارات واضحة إلى الموارد التي يلجأ فيها المؤمن إلى استخدام هذا المسلك الشرعي خلال حياته أثناء الظروف العصيبة ، ليصون بها نفسه وعرضه وماله ، أو نفسَ من