وأضاف ابن أبي الحديد : فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي ـ عليهماالسلام ـ ، فازداد البلاء والفتنة ، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف على دمه ، أو طريد في الأرض.
ثمّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسين ـ عليهالسلام ـ ، وولي عبد الملك بن مروان ، فاشتد على الشيعة ، وولّى عليهم الحجاج بن يوسف ، فتقرَّب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه ، وموالاة من يدعي من الناس أنّهم أيضاً أعداؤه ، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم ، وأكثروا من البغض من عليّ ـ عليهالسلام ـ وعيبه ، والطعن فيه ، والشنئان له ، حتى أنّ إنساناً وقف للحجاج ـ ويقال إنّه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب ـ فصاح به : أيّها الأمير إنّ أهلي عقوني فسمّوني علياً ، وإنّي فقير وبائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج ، فتضاحك له الحجاج ، وقال : للطف ما توسّلتَ به ، قد ولّيتك موضع كذا. (١)
واستمر الحزب الأموي في الإرهاب وسفك الدماء على امتداد مراحل وجوده في السلطة ، حيث سجّل لنا التاريخ حوادث أُخرى تحكي أبشع صور الإرهاب والاستخفاف بقيم الحق والعدل أيام عبد الملك بن مروان وقتله سعيد بن جبير. وقد جاء في كتاب عبد الملك بن مروان الذي ولى فيه خالد بن عبد الله القسري :
أمّا بعد ، فانّي ولّيت عليكم خالد بن عبد الله القسري ، فاسمعوا له وأطيعوا ، ولا يجعلن امرؤ على نفسه سبيلاً ، فإنّما هو القتل لا غير ، وقد برئت الذمة من رجل آوى سعيد بن جبير ، والسلام. ثمّ التفت إليهم خالد ، وقال : والذي نحلف به ، ونحجُّ إليه ، لا أجده في دار أحد إلاّ قتلته وهدمت داره ودار كلّ من جاوره واستبحت حرمته ، وقد أجلّت لكم فيه ثلاثة أيّام. (٢)
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ١١ / ٤٤ ـ ٤٦.
(٢) الإمامة والسياسة : ٢ / ٤٧ ، ط مصر.