وقد مرّ الكلام عن لجوء جملة من كبار المحدّثين إلى التقية في ظروف عصيبة أوشكت أن تؤدي بحياتهم وبما يملكون ، وخير مثال على ذلك ما أورده الطبري في تاريخه (١) عن محاولة المأمون دفع وجوه القضاة والمحدّثين في زمانه إلى الإقرار بخلق القرآن قسراً وقد علموا انّ إنكاره يستعقب قتل الجميع دون رحمة ، ولما أبصر أُولئك المحدّثون لَمَعان ، حد السيف عمدوا إلى مصانعة المأمون في دعواه وأسرّوا معتقدهم في صدورهم ، ولمّا عُوتبوا على ما ذهبوا إليه من موافقة المأمون برّروا عملهم بعمل عمّار بن ياسر حين أُكره على الشرك وقلبه مطمئن بالإيمان ، والقصّة شهيرة وصريحة في جواز اللجوء إلى التقية التي دأب البعض بالتشنيع فيها على الشيعة وكأنّهم هم الذين ابتدعوها من بنات أفكارهم دون أن تكون لها قواعد وأُصول إسلامية ثابتة ومعلومة.
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٧ / ٢٠٦١٩٥.