فالمراد من قوله : «ان تجتهد برأيك» هو العمل بالمقاييس الظنية التي لم يدل عليه دليل ، وإلاّ فلو كان هناك دليل لما كان هناك حاجة إلى الرأي.
وممّا يدلّ على أنّ العمل بالرأي لم يكن عملاً بالدليل الشرعي ، بل كان تخلّصاً من المأزق ، انّ الإمام علياً ـ عليهالسلام ـ لما ولى شريحاً على القضاء ، اشترط عليه ألاّ ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه ، وما ذلك إلاّ لأجل انّ الإمام كان واقفاً بأنّ بعض المعايير التي يقضي على ضوئها شريح ، ليست معايير شرعية فلذلك اشترط عليه العرض. (١)
٣. يقول عبد الله بن مسعود : أتى علينا زمان لسنا نقضي ولسنا هنالك ، وان الله قد قدر من الأمر ان قد بلغنا ما ترون ، فمن عرض له قضاء بعد اليوم ، فليقض فيه بما في كتاب الله عزّ وجلّ ، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله ولم يقض به رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، فليقض فيه بما قضى به الصالحون ، ولا يقل إنّي أخاف وإنّي أرى. (٢)
وزاد مؤلف كتاب «تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية» : فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيُّه ولم يقض به الصالحون ، فليجتهد برأيه فإن لم يحسن فليقم ولا يستحيي. (٣)
فهو على النصّ الأوّل نهي عن الإفتاء بالرأي ، بخلاف النصّ الثاني فقد أجاز الإفتاء به.
٤. كان ابن عباس إذا سئل عن أمر : فإن كان في القرآن أخْبِر به ، وإن لم
__________________
(١) الوسائل : ١٨ ، الباب ٣ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦.
(٢) دائرة المعارف لفريد وجدي : ٣ / ٢١٢ ـ ٢١٣ ، مادة جهد.
(٣) تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية : ١٧٧.