فقال : أتاني كذا وكذا ، فهل علمتم أنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلّهم يذكر عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فيه قضايا ، فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ علينا علم نبيّنا ، فإن أعياه ان يجد فيه سنّة عن رسول الله ، جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به. (١)
وهذا اعتراف صريح من الخليفة بأنّ السنّة النبوية التي وعاها الصحابة عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كانت غير وافية بالحاجات الفقهية ، ولذلك كان يعمد إلى الأخذ بالرأي والمقاييس الظنيّة لاستنباط حكم الموضوع ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ الصحابة لم يكونوا بمنزلة ، تجعلهم مصادر الحكم ومراجع الدين على نحو تكون الشريعة مخزونة عندهم ، بل كانوا كسائر الناس في عدم المعرفة بالمستجدات وما ليس فيه نص معين وإن كانوا يتفاوتون عن الآخرين بصحبتهم النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأخذهم عنه قسماً من معالم الدين حسب ما سمح لهم الوقت.
٢. نصب عمر بن الخطاب شريحاً قاضي بالكوفة وأوصاه على النحو التالي :
إن جاءك شيء من كتاب الله ، فاقض به ولا يُلفتك عنه الرجال ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ، فانظر سنّة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فاقض بها ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم تكن في سنّة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في سنّة رسول الله ولم يتكلّم فيه أحد قبلك فاختر أيّ الأمرين شئت : إن شئت أن تجتهد برأيك فتُقدِّم ، وإن شئت ان تتأخر فتأخر ، ولا أرى التأخير إلاّ خيراً لك. (٢)
__________________
(١) دائرة المعارف لفريد وجدي : ٣ / ٢١٢ ، مادة جهد.
(٢) دائرة المعارف لفريد وجدي : ٣ / ٢١٢ مادة جهد.