قياس في الحسيات ولكنّه يدلّ على أنّ النظير ونظيره يتساويان. (١)
يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الله سبحانه لم يدخل من باب القياس ، وهو أجل من أن يقيس شيئاً على شيء ، وإنّما دخل من باب البرهان ، فأشار إلى سعة قدرته ووجود الملازمة بين القدرة على إنشاء العظام وإيجادها أوّل مرّة بلا سابق وجوده ، وبين القدرة على إحيائها من جديد ، بل القدرة على الثاني أولى ، فإذا ثبتت الملازمة بين القدرتين والمفروض أنّ الملزوم وهي القدرة على إنشائها أوّل مرّة موجودة ، فلا بدّ أن يثبت اللازم ، وهي القدرة على إحيائها وهي رميم ، فأين هو من القياس؟!
ولو صحّت تسمية الاستدلال قياساً ، فهو من باب القياس الأولوي الذي فرغنا عن كونه خارجاً عن مورد النزاع ، ويدلّ على ذلك أنّه سبحانه لم يقتصر بهذا البرهان ، بل أشار إلى سعة قدرته بآية أُخرى بعدها وقال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ). (٢)
والآيات كسبيكة واحدة والهدف من ورائها تنبيه المخاطب على أنّ استبعاد إحياء العظام الرميمة في غير محلّه ، إذ لو كانت قدرته سبحانه محدودة لكان له وجه ، وأمّا إذا وسعت قدرته كلَّ شيء بشهادة أنّه خلق الإنسان ولم يكن شيئاً مذكوراً ، وخلق السماوات والأرض وهي خلق أعظم من الإنسان ، لكان أقدر على معاد الإنسان وإحياء عظامه الرميمة.
وليس كلّ استدلال عقلي قياساً.
وثانياً : سلّمنا دلالة الآية على حجّية القياس لكن مصبّها هو قياس الأُمور الكونيّة بعضها ببعض فيما إذا كانت الجهة المشتركة بين المقيس والمقيس عليه ،
__________________
(١) مصادر التشريع : ٢٧.
(٢) يس : ٨١.