كان الفضل بن عباس رديف رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه ، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فجعل رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ يصرف وجه الفضل إلى الشقّ الآخر. قالت : يا رسول الله إنّ فريضة الله في الحجّ على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحجّ عنه؟ قال : نعم ، وذلك في حجّة الوداع. (١)
وعلى كلّ تقدير فقد استدلّ بهذه الرواية ، يقول السرخسي : هذا تعليم المقايسة وبيان بطريق إعمال الرأي.
وقال الآمدي : إنّه ألحق دين الله بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه وهو عين القياس. (٢)
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ ما جاء في هذه الرواية ليس من مقولة القياس ، بل من باب تطبيق الكبرى المسلّمة عند القائل على صغراها ، أعني قوله : كلّ دين يقضى ، وقد طبقها رسول الله على دين الله لأبيها ، فحكم بلزوم القضاء فأين هذا من القياس؟!
وإن شئت قلت : إنّ القياس يتحقّق بأركان أربعة :
١. الأصل ، ٢. الفرع ، ٣. الجهة الجامعة بينهما ، ٤. الحكم ، فيلاحظ القياس الأصل أوّلاً ، ثمّ الفرع ثانياً ، ثمّ يتفحص عن الجهة الجامعة بينهما ، ثمّ يحكم بالتحاق الفرع بالأصل ، وأين هذه الأُمور المتسلسلة ، ممّا ورد في الرواية ، بل النبي لما كان عالماً بالتشريع الإلهي وهو انّ كلّ دين يقضى من غير فرق بين كونه دين الناس ، أو دين الله سبحانه ، وكان السائل جاهلاً بالتسوية ، فشبّه أحدهما
__________________
(١) موطأ مالك : ٢٣٦ ؛ مسند أحمد : ١ / ٣٦١ برقم ١٨٩٣ ؛ صحيح البخاري : ٢ / ١٦٣ ؛ صحيح مسلم : ٤ / ١٠١ ؛ سنن النسائي : ٥ / ١١٧ ؛ سنن أبي داود : برقم ١٨٠٩.
(٢) الأحكام للآمدي : ٣ / ٧٨.